adsense

2020/06/15 - 10:36 م

بقلم عبد الحي الرايس
وقف كبيرٌ في مَعْبدٍ يتساءل أمام الحضور، ويُسائِلُ تمثالا ًمن خزَف إن كان بإمكانه تقديمُ مساعدةٍ لأحد، وتجاوز ذلك ليُسائله إن كان بمُكْنتِهِ حمايةُ نفسه، ثم هوى بالمطرقة على الرأس فتهشَّم، وواصل الطَّرْقَ إلى أن أتى على سائر الجسد، وعلَّق قائلا: لو كان له أن يجلب النفع أو يدفع الأذى عن أحد، لوقى نفسه هذا الخطر.
حدث هذا في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأعاد إلى الذاكرة ما صنعه إبراهيم الخليل حين حطم أصناما كانت تُعبد من دون الله، فلما تساءل القومُ عمن فعل ذلك بآلهتهم "قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون".
وتكرَّر نفس المشهد مع أكرم الأنبياء في فجر الإسلام، مُعلناً أن التقوى خيرُ تجسيد للإيمان.
ثم أتى على الناس حينٌ من الدهر أقاموا فيه نُصُباً وتماثيلَ لشخصياتٍ بَصَمَتْ لحظةً من التاريخ، استأنسوا بها فترة، فلما أيقنوا أنها لا تعكس قيمة، ولا تجلُب نفعاً، وإنما تُكَرِّسُ حًيْفاً، وترعى ظلماً، أقبلوا عليها في هُياج مندفعين، وهَوَوْا بها مُتخلِّصين، في بِقاعٍ شتَّى من المعمور، ولسانُ حالهم يقول: لا تجسيد لخير ولا نفع إلا في التدبير وفي السلوك، فالشعارات زائفة، والنُّصًبُ خادعة، ولا شيء يخدُم الإنسان ويُحقق الإنسانية غير الممارسة العادلة التي تُنصف الناس جميعاً من غير ميْز ولا حيف، وتؤكد لهم بالملموس أنْ لا فضل لهذا على ذاك إلا بالعمل الصالح، والسلوك القويم، والصُّدُور عما ينفع الناس ويسمو بتعاملاتهم وتدبير حياتهم بمنأى عن أصلهم ولونهم ولسانهم، فالإنسان قيمة مطلقة، والفيْصلُ هو الابتعادُ عن الحيفِ والتعالي، والتوجهُ السامي نحو الإنصافِ وأنْسَنَةِ الإنسان.