بقلم الأستاذ حميد
طولست
يذكرني اللغط الكثير
والمتواتر حول مسألة رفع الحضر وإطالة زمانه ، بالرد الذكي الذي أجابت به "شوافة"
شابا عاطلا عن العمل جاءها متسائلا عن مصيره فقالت له: "بعد هده السنين غادي تولف
يا ولدي " الأمر الذي ينطبق تمام الإنطباق على العديد ممن أدركوا حجم دفء ما أتاحه
لهم المكوث في البيت لأكثر من شهرين من فرص الاسترخاء والتمتع بالهدوء وإمكانيات إعادة
ترتيب الأفكار ، واكتشاف المواهب الدفينة ، التي استطابوها مع وضعهم الجديد ، كالطهي
أو الرسم أو ابتكار الأشياء البسيطة وحتى المعقدة ، التي استعملوها كوسيلة مثلى لتمرير
ما وفره العزل من الوقت ، وتصريف وطأته ، والتخلص من رتابة روتينه ، وكسر ما خلفه من
ملل في النفوس -خاصة لدى المعانية منالضغط والتوتر في العمل أو الدراسة- لإعادة شحن طاقة التوازن الداخلي ، وتحسين الصحة
النفسية والعقلية والجسدية ، ومجاراة ضراوة الوضع غير المسبوق ، الذي أصبح فجأة ، وقبل
التعوّد عليه ، جزء كبيرا من الحياة اليومية ، المثيرة للخشية والدعر بما يفرضه سلاحه
الجرثومي غير المعروف ، من قوانين الانسحابٍ الشامل ٍمن صخب الحياة السريعة والمكتضة
بالتصافح والتحاضن والتزاور المعتاد بين الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف وحتى الأجانب
، والتخلي عن وقع الشارع اللاهثة -خاصة في ليالي رمضان - وتعويضه بخيارات لا تقبل الممانعة
ولا المعاندة ، أملتها أيام وليالي الإقامة الجبرية المتوالية ، والتي حاولت في العديد
من كتاباتي السابقة ، ، كواقع أو انطباعات ، صغتها على شكل يوميات ، جمعت فيها بين
السرد والوثيقة والمذكرات والرأي للتأريخ لبعض أطوار أحداثها المرعبة ، وتسجيل بعض
مشاهد جثومها على رقاب البشر المقزز لما يقارب من ثلاثة اشهر، وتدوين بعض آثار مخاطرها
على العامة والخاصة ، بعيد عن التفاعل السطحي الإنفعالي المقوض لعملية تأريخ وتدوين
وتسجيل مشاهد هذا المصاب الذي يعلم الله هل سيزول قريبا ، أم سيعمر طويلا مع تسطيح
تعامل البعض مع أموره واستسهال البعض الآخر لمخاطره ، وميل فريق ثالث لإختيار الحلول
السهلة الجاهزة في مواجهة مخلفاته ، ما سيحملنا وطأة تبعاتها التي ستلزمنا -ودون اختيار
منا- بإعادة ترتيب العديد من أولوياتنا والتخلي عن الكثير من انتظاراتنا ، في سبيل
إيجاد آلية تمكننا من التكيف والتعايش مع إيقاعاته الغريبة ، رغم شدة قساوتها ، من
أجل البقاء واستكمال الحياة .