بقلم عمرو الزيات
كتبنا من قبل عن
الديوان وأبي ديوان ، وأشرنا إلى الدراسة التي نحن بصددها للوقوف على نقاط الاتفاق
والاختلاف بين العملاقين : رائد الديوان أستاذنا
العقاد ورائد مدرسة الجن أبي ديوان ؛ بيانا وترسيخا لمذهبين كانا لهما أعظم الأثر في
تاريخ أدبنا العربي قاطبة ، يمثل كل منهما ( فاصلا بين عهدين ) كما يقول أستاذنا العقاد
في مقدمة كتاب الديوان في الأدب والنقد ، ذلك الكتاب صغير الحجم عظيم الأثر .
كان مما أخذه أستاذنا
العقاد على الاتجاه المحافظ وعلى رأسه شوقي ذوبان شخصية شعراء هذا الاتجاه واهتمامهم
بشعر المناسبات ، وفي رأينا أن أستاذنا العقاد كان محقا في ذلك الحق كله ؛ إذ غابت
شخصية شوقي أو اختفت وهو يحاول مجاراة القدماء ومعارضتهم ، ولم يترك شوقي شاعرا قديما
إلا وأخذ منه معارضة أو تأثرا ، صحيح أن شوقيا فعل ذلك ، وصحيح مثله أن مؤاخذة أستاذنا
العقاد لشوقي كانت صارمة صادمة في الوقت نفسه.
حاول أستاذنا العقاد
أن يتجنب ذلك ، ويحقق المعادلة الصعبة ، فيوازن بين العاطفة والتفكير ؛ بيد أن شعر
أستاذنا العقاد جاء – في معظمه – فلسفيا كأسلوبه في الكتابة ، وطغي الفكر على عاطفة
الرجل طغيانا ملحوظا ، ولعل ذلك يعود لإجلال أستاذنا العقاد لقيمة العقل التي ميز الله
بها الإنسان عن سائر مخلوقاته ، وهذا معلوم عنه .
أما الأمر عند
صاحبنا أبي ديوان فعلى خلاف ذلك تماما ؛ فشعر أبي ديوان من ذلك الطراز الذي يجمع بين
العاطفة الطاغية والفكر المميز في صورة عجيبة ، وكأن عاطفته قُدت للفكر؛ فليس هذا الشعر المتأوه كما عند شعراء
أبوللو ، وليس بهذا الشعر الذي يطغى فيه الفكر على العاطفة كما هو الحال عند أستاذنا
العقاد ، وإلي حضرات السادة القراء هذا النموذج من شعر أبي ديوان يؤكد ما ذهبنا إليه
:
من قصيدة (أنا
وهي ورمسيسُ )
كيفَ يُعَمَّدُ
بِلَّوْرُ النَّدى عَسَلا..
إذا الفَرَاشَةُ
خانتْ (مِصْرَ).. والنَّحْلا؟!
أَخْرِجْ مَغاراتِ
سرْدابِ الشَّقا:
رَشَأً.. ثُعْبانَ..
مقْبرَتي نيلي إذا احْتُلَّ
جِنِّيَّتي اتَّكَأَتْ..
في نارِ مُدْيَتِها..
كيْ تعْزفَ الشَّمْسَ
ثَلْجَ عيْنِها كُحْلَا
لا تَضْربِ السدَّ..
وابْنِ فوْقهَ مُدُنًا..
فسدرةُ الرِيِّ.. مسَّتْ أرضنا الحُبْلَى الحُبْلَى