adsense

2019/03/06 - 4:27 م



بقلم عمرو الزيات
كتبنا من قبل عن الديوان وأبي ديوان ، وأشرنا إلى الدراسة التي نحن بصددها للوقوف على نقاط الاتفاق والاختلاف  بين العملاقين : رائد الديوان أستاذنا العقاد ورائد مدرسة الجن أبي ديوان ؛ بيانا وترسيخا لمذهبين كانا لهما أعظم الأثر في تاريخ أدبنا العربي قاطبة ، يمثل كل منهما ( فاصلا بين عهدين ) كما يقول أستاذنا العقاد في مقدمة كتاب الديوان في الأدب والنقد ، ذلك الكتاب صغير الحجم عظيم الأثر .
كان مما أخذه أستاذنا العقاد على الاتجاه المحافظ وعلى رأسه شوقي ذوبان شخصية شعراء هذا الاتجاه واهتمامهم بشعر المناسبات ، وفي رأينا أن أستاذنا العقاد كان محقا في ذلك الحق كله ؛ إذ غابت شخصية شوقي أو اختفت وهو يحاول مجاراة القدماء ومعارضتهم ، ولم يترك شوقي شاعرا قديما إلا وأخذ منه معارضة أو تأثرا ، صحيح أن شوقيا فعل ذلك ، وصحيح مثله أن مؤاخذة أستاذنا العقاد لشوقي كانت صارمة صادمة في الوقت نفسه.
حاول أستاذنا العقاد أن يتجنب ذلك ، ويحقق المعادلة الصعبة ، فيوازن بين العاطفة والتفكير ؛ بيد أن شعر أستاذنا العقاد جاء – في معظمه – فلسفيا كأسلوبه في الكتابة ، وطغي الفكر على عاطفة الرجل طغيانا ملحوظا ، ولعل ذلك يعود لإجلال أستاذنا العقاد لقيمة العقل التي ميز الله بها الإنسان عن سائر مخلوقاته ، وهذا معلوم عنه .
أما الأمر عند صاحبنا أبي ديوان فعلى خلاف ذلك تماما ؛ فشعر أبي ديوان من ذلك الطراز الذي يجمع بين العاطفة الطاغية والفكر المميز في صورة عجيبة ، وكأن عاطفته  قُدت للفكر؛ فليس هذا الشعر المتأوه كما عند شعراء أبوللو ، وليس بهذا الشعر الذي يطغى فيه الفكر على العاطفة كما هو الحال عند أستاذنا العقاد ، وإلي حضرات السادة القراء هذا النموذج من شعر أبي ديوان يؤكد ما ذهبنا إليه :
من قصيدة (أنا وهي ورمسيسُ )
كيفَ يُعَمَّدُ بِلَّوْرُ النَّدى عَسَلا..
إذا الفَرَاشَةُ خانتْ (مِصْرَ).. والنَّحْلا؟!
أَخْرِجْ مَغاراتِ سرْدابِ الشَّقا:
رَشَأً.. ثُعْبانَ.. مقْبرَتي نيلي إذا احْتُلَّ
جِنِّيَّتي اتَّكَأَتْ.. في نارِ مُدْيَتِها..
كيْ تعْزفَ الشَّمْسَ ثَلْجَ عيْنِها كُحْلَا
لا تَضْربِ السدَّ.. وابْنِ فوْقهَ مُدُنًا..
فسدرةُ الرِيِّ..  مسَّتْ أرضنا الحُبْلَى الحُبْلَى