حميد طولست/ القلم الحر
أثار مقطع فيديو تم تداوله مؤخرًا على
منصات التواصل الاجتماعي موجة غضب عارمة، بعد أن ظهرت فيه تلميذة وهي توجه تهديدًا
صريحًا بالانتقام من زميلتها عقب نهاية الامتحانات. المشهد الصادم، الذي انتشر
بسرعة كبيرة، أثار حالة من القلق على سلامة الفتاة المُهددة، وسط دعوات عاجلة لتدخل
أمني لحمايتها وتفادي أي اعتداء محتمل.
لكن بعيدًا عن الصدمة اللحظية، كشفت
هذه الحادثة عن أزمة أعمق تتعلق بالمدرسة، والمجتمع، ودور مؤسساته في بناء الشخصية
الأخلاقية للتلاميذ. فقد سارعت جمعيات مدنية وفعاليات مجتمعية إلى المطالبة بفتح
تحقيق رسمي لكشف الملابسات، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة كل من ساهم في نشر
الفيديو، أو في تغذية خطاب الكراهية والعنف بين صفوف الناشئة. وأكدت هذه الجهات أن
ما حدث لا يمكن تبريره بحرية التعبير، بل يُعد تهديدًا مباشرًا لقيم المدرسة،
ومبادئ العيش المشترك.
وفي مقابل ذلك، ارتفعت أصوات أخرى
تطالب بالتروي في التعامل مع التلميذة المعنية، مؤكدة أن الحل لا يكمن في العقوبة
وحدها، بل في المعالجة الشاملة، التي تبدأ بالإصلاح التربوي والتوعية، وتمر بتأهيل
نفسي واجتماعي للمراهقين. كما وجهت هذه الأصوات انتقادات لاذعة للإعلام الذي ركز،
برأيهم، على إثارة الجدل وزيادة نسب المشاهدة على حساب المسؤولية الأخلاقية.
منظومة تربوية في مفترق طرق
هذه الحادثة رغم اختلاف الآراء حولها ،
فقد أعادت النقاش حول تفشي مظاهر العنف داخل المؤسسات التعليمية، لاسيما خلال فترة
الامتحانات، حيث تتكررت مشاهده على أكثر من واجهة ،فشمل في بععضها التخريب،
والاعتداء على المعلمين، وتحطيم ممتلكات المدارس، وسط غياب واضح للردع والمساءلة.
وقد عبّر العديد من الفاعلين في قطاع التعليم عن مخاوفهم من تحوّل المدارس إلى
بيئة غير آمنة لا يمكن فيها ممارسة التعليم، ولا يمكن للمعلم أن يؤدي دوره في ظل
التهديد اليومي لكرامته وسلامته.
وتساءل هؤلاء: كيف يمكن أن يتحقق
التعليم في غياب التربية؟ وكيف يمكن بناء مجتمع سليم بينما هناك من يرى في العنف
بطولة، وفي البلطجة وسيلة لفرض الذات، دون أن يخشى أي محاسبة وإصلاح يبدأ من
الجذور؟
في هذا السياق، طالب مختصون بتعديل
القوانين التربوية لتوفير أدوات حقيقية لردع كل من يمارس العنف داخل المدارس.
ودعوا إلى أن تكون قرارات الفصل التأديبي مركزية وشفافة، تصدر عن الجهات المختصة
العليا، بعيدًا عن الضغوط والوساطات، لضمان حماية المدرسة كفضاء للتعلم والاحترام.
كما شددوا على ضرورة تمكين الإدارات
المدرسية من سلطة اتخاذ القرار دون خوف أو تردد، مؤكدين أن التهاون في تطبيق
العقوبات بحق المخالفين يشجع على مزيد من التمرد وغياب الانضباط.
وأجمع المراقبون على أن الحل في
التربية أولًا ، وان أي إصلاح تعليمي لن ينجح ما لم تسبقه رؤية واضحة تعيد للتربية
مكانتها الأولى. فقبل الحديث عن المناهج، والتقييم، والحضور، لا بد من ترسيخ قيم
الاحترام والانضباط، ورد الاعتبار لهيبة المدرسة والمعلم.
فالمطلوب، ليس فقط حماية الضحية أو محاسبة المعتدي، بل العمل على غرس ثقافة الحوار واحترام الآخر داخل عقول التلاميذ وقلوبهم، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث، التي تهدد مستقبل التعليم، وتُسيء لمنظومة القيم بأكملها.