بقلم الأستاذ حميد طولست
بمناسبة الجمعة الأولى من رمضان .
مع حلول شهر رمضان المبارك، تتكرر على
منابر المساجد خطبٌ نمطية تتناول تاريخ رمضان، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة فيه، متجاهلةً الواقع المؤلم الذي يعيشه الناس اليوم. نسمع خطبًا تمتلئ
بالحكايات والقصص المتكررة، بينما يتغافل الخطباء عن الحديث عن المشاكل الحقيقية
التي تعصف بالمجتمعات، وكأن الإسلام جاء فقط للصلاة والصيام دون أن يكون منهجًا
للحياة يُصلح واقع الناس.
أين الحديث عن معاناة الفقراء الذين
يئنون تحت وطأة الغلاء الفاحش؟ أين التوجيه الحازم ضد المحتكرين والمفسدين الذين
يضاعفون الأسعار ويمنعون الناس من حقهم في العيش الكريم؟ لماذا لا تُسلَّط الأضواء
على الفساد المستشري في الأسواق، وعلى الذين يغشون في الميزان ويطففون الكيل
ويستنزفون جيوب البسطاء؟ أليس من واجب خطباء الجمعة أن يكونوا لسان حال الأمة،
يعالجون قضاياها بجرأة وصدق، بدلاً من إعادة سرد أحداث تاريخية لا تقدم حلولًا
واقعية لمآسي اليوم؟
رمضان ليس شهرًا لاستغلال الناس ونهب
أموالهم تحت ستار العبادة، بل هو شهر العدالة الاجتماعية والتراحم. لقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم يحذر من الظلم، وكان يقول: "من غش فليس مني"، فأين
هذه التحذيرات من فوق المنابر؟ لماذا لا يُوجَّه الخطاب الديني لمحاسبة من يكدسون
المواد الغذائية ليبيعوها بأضعاف ثمنها؟ كما حدث مع الأغنام التي ظهرت بأعداد
كبيرة بعد أن ناشد أمير المؤمنين المغاربة بعدم ....، لماذا لا يتم فضح من يحتكر
الدواء ويمنع العلاج عن الفقراء؟ لماذا لا يتم تنبيه الناس إلى خطورة الفساد
الإداري الذي يحطم مصالح العباد؟
إن خطبة الجمعة ليست درسًا في التاريخ،
بل هي صوت الأمة وصدى واقعها. لا فائدة من حديثٍ مطول عن صيام الصحابة إن لم يتبعه
تحذيرٌ من التلاعب في أسعار الطعام والسلع الأساسية. ولا جدوى من التذكير بليالي
النبي في رمضان إذا لم يُندَّد بجشع التجار وفساد المسؤولين الذين يستغلون حاجات
الناس. يجب أن تكون خطب الجمعة صرخةً في وجه الظلم، لا تكرارًا مملاً للكلام الذي
لا يمسُّ جوهر معاناة المسلمين.
لذا، على الخطباء أن يتحملوا مسؤوليتهم
أمام الله وأمام المجتمع، وأن يدركوا أن دورهم لا يقتصر على الوعظ الروحاني فقط،
بل يشمل التوجيه والإصلاح والتنبيه إلى الأخطاء، ولو كلفهم ذلك مواجهة بعض
المستفيدين من الفساد والاستغلال. فإن لم يكن المنبر صادقًا مع الناس، فكيف يُنتظر
من الأمة أن تنهض وتصلح أحوالها؟.