بقلم الأستاذ حميد طولست
في عالم العلاقات الإنسانية والدولية،
نجد أن الكثير من الأفراد والهيئات والدول يعتمدون المكر والخديعة لتحقيق الأهداف
الخاصة، متجنبين تحمل المخاطر بأنفسهم، بينما يدفعون الآخرين إلى مواجهة التحديات
نيابةً عنهم. السلوك البشع الذي يجسده المثل الشعبي المغربي "اعطيني فمك ناكل
بيه الشوك"، والذي يعبر عن استغلال طرف لطرف آخر للقيام بالمهمات الصعبة
والخطرة دون تحمل العواقب.كما في السلوك الذي يتجلى على مستوى الدول في ما يعرف بـ
"حروب الوكالة"، حيث تقوم قوى كبرى بإشعال الصراعات عبر دعم أطراف محلية
أو إقليمية، دون الانخراط المباشر في القتال. وتعد أفغانستان والشرق الأوسط من
أبرز المناطق التي شهدت هذا النوع من الحروب التي كانت في جوهرها انعكاسًا لصراعات
دولية أكبر. خلال الحرب الباردة، والتي
تتكرر في الشرق الأوسط، من خلال صراعات متعددة -سوريا واليمن والعراق- تدعمها قوى
دولية مثل الولايات المتحدة وإيران وروسيا واسرائيل وتركيا وأطرافًا محلية أخرى ،
في حروب دامية يدفع سكان تلك المناطق ثمناً باهظاً لها من أرواحهم واستقرارهم
ومستقبلهم. النموذج نفسه الذي نخشى أن يتكرر في شمال افريقيا بين الدولتين
الجارتين المغرب والجزائر اللتان تجمعهما علاقات متوترة منذ عقود، بسبب قضية
الصحراء المغربية والتنافس الإقليمي وغيرهما من الصراعات التي تزيد من احتمالية
تحولهما إلى طرفين في حرب بالوكالة تخدم مصالح قوى كبرى مثل الولايات المتحدة،
فرنسا، روسيا، و حتى إيران. خاصة مع تصاعد التوترات العالمية وعودة الصراعات
الجيوسياسية، واستمرار الاستقطابات الإقليمية التي قد تجعل المنطقة ساحة لصراعات
وحروب مباشرة تخدم مصالح القوى الكبرى. في
ظل المعطيات التي قد تغذي سيناريو الحرب بالوكالة كالتنافس الاستراتيجي بين القوى
الكبرى ، حيث تعتبر الولايات المتحدة وفرنسا المغرب حليفًا رئيسيًا في المنطقة، في
حين تقترب الجزائر من روسيا وإيران، إلى جانب ضخامة صفقات الأسلحة بين الجزائر
وروسيا التي تؤجج التوتر، التي تعكس مشهدًا مشابهًا للحرب الباردة ، خصوصًا مع
تصاعد العداء الغربي لروسيا بعد حرب أوكرانيا .
ولكن، رغم كل هذه التوترات، فالحرب المباشرة بين البلدين تظل غير مرجحة، ليس لوجود سياسة حكيمة تدفع نحو الحوار بين البلدين بدل التصعيد، لكن لعوامل أخرى قد تمنع الحرب المباشرة ، والتي من بينها: كون الحرب بين البلدين ستكون كارثية على الشعبين، نظرًا للارتباطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العميقة. ولكون القوى الكبرى (أمريكا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي) لا ترغب في نزاع عسكري مباشر قد يؤثر على استقرار المنطقة المغاربية. ولكون المغرب والجزائر يعتمدان على التجارة مع أوروبا، وأي حرب ستعطل هذه العلاقات وتضر باقتصاداتهما الهشة ، ولكون أن أي مواجهة بين لبلدين ستكون مكلفة للطرفين، دون ضمان لتحقيق نصر حاسم ...