adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/05 - 5:49 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

في الآونة الأخيرة، أثارت قضية اعتقال القاصر ملاك الطاهري البالغة من العمر 13 عامًا مع أفراد من عائلة اليوتيوبر المغربي المقيم في كندا، هشام جيراندو، جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والحقوقية بتهم تتعلق بالمشاركة في إهانة هيئة دستورية، وبث ونشر ادعاءات ووقائع كاذبة بهدف المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، والمشاركة في جنحة التهديد.

الأمر الذي جعل من قضية الجرندو مثالًا صارخًا على كيف يمكن توظيف العواطف لصرف النظر عن جوهر القضايا الحقيقية، وتحويل مسار النقاش من محاسبة المجرمين إلى حملات تدفع بالقضية نحو منحى عاطفي، حيث أُقحمت الطفولة كدرع لحماية الجناة والتغطية على الأفعال الجرمية.

إن استخدام القاصرين في الجريمة ليس مجرد تفصيل جانبي، بل هو جريمة في حد ذاتها، تُرتكب مرتين: الأولى عندما يتم توريطهم في أفعال يعاقب عليها القانون، والثانية عندما يُستخدمون لاحقًا كأدوات لتأليب الرأي العام وإثارة التعاطف، بغية عرقلة سير العدالة. وبدل أن يتم التركيز على مساءلة المتورطين الأساسيين في هذه الشبكة الإجرامية، يجري التلاعب بالرأي العام، وتصوير القضاء كوحش بلا رحمة، بينما يتم تقديم مرتكبي الجرائم كضحايا للاضطهاد.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل كان هؤلاء المدافعون عن استغلال القاصرين في الجريمة سيلتزمون نفس الموقف لو أن الضحايا كانوا من صفوفهم؟ أم أن معايير حقوق الإنسان أصبحت تُوزع حسب الولاءات والمصالح؟

إن حماية الطفولة لا تعني تبرئة المتورطين من المساءلة القانونية، بل تعني محاسبة كل من يسخِّر الأطفال في الجرائم، وضمان عدم استغلالهم كدروع بشرية لتبرير الانتهاكات. أما محاولات تضليل الرأي العام وتحويل الأنظار عن الجرم الأصلي، فهي ليست سوى تلاعب مكشوف ينبغي مواجهته بالحزم والوضوح.

إن العدالة لا تخضع للعواطف، ولا ينبغي أن تُستخدم كأداة للتلاعب بالرأي العام. بل يجب أن تظل قائمة على الحقائق، بعيدًا عن أي اعتبارات تُستخدم لخدمة أجندات خفية أو لتبييض صفحات من يسعون إلى الإفلات من العقاب.

فالعدالة الحقيقية تُبنى على قواعد صارمة من النزاهة والحياد، وهي لا تخضع للمساومات أو الضغوط الإعلامية التي تحاول تحويل الجاني إلى ضحية. عندما تتحول العدالة إلى ساحة معركة للعواطف، فإنها تفقد جوهرها، ويصبح القانون مجرد أداة بيد أصحاب النفوذ لتشكيله وفق مصالحهم. لذلك، من الضروري أن يبقى ميزان العدالة ثابتًا، لا يتأرجح بين التعاطف المصطنع والمصالح المخفية، بل يستند إلى الأدلة والوقائع التي تحدد بوضوح من هو المذنب ومن هو البريء.

كما أن السماح للعواطف بتشكيل مسار العدالة يفتح الباب أمام فوضى قانونية، حيث يصبح من السهل تبرير الجرائم تحت غطاء المشاعر الإنسانية، ما يؤدي إلى تقويض ثقة المجتمع في القضاء. لذا، يجب أن يكون القضاء حصنًا منيعًا ضد هذه الموجات العاطفية المضللة، وأن يبقى حكمه مبنيًا على العدالة الحقيقية، التي تحمي المجتمع بأسره من أي محاولات