adsense

2022/03/17 - 1:46 م

بقلم عبد الحي الرايس

مسؤولية جسيمة، لِلاِرْتجال فيه عواقبُ وخيمة، وحوادثُ خطيرة، تعطبُ المَرْكَبات، وتُسْفِرُ عن وفيات، وفي أبسط الحالات تُخلِّفُ خسائرَ وإعاقات.

من هنا كانت كلُّ جماعة مَدْعوةً إلى تشكيل لجنةٍ للسير من ذوي الاختصاص والاهتمام، يُعْهَدُ إليها بتنظيم المرور والوقوف في إطار حكامةٍ جيدة تستنيرُ بمعايير السلامة، مُسْتلهمةً المبادراتِ الناجحة، ومُتفاديةً تَكْرارَ التجاربِ العاثرة.

تَنبَّه إلى ذلك دستورُ المملكة في نسخته الْمُحَيَّنة لسنة 2011، فنصَّ على تعزيز الديمقراطية التمثيلية بأخرى تشاركية، تنْأى بالعمل الجماعي عن الارتجالِ والانْفراد بالقرار، مما يُوجب إشراكَ مُمثل عن المجتمع المدني، وآخر عن وكالة وطنية للسلامة الطرقية لها سبْقٌ ببلادنا في إعداد دليل مرجعي لمعايير السلامة في تهيئة الفضاء الطرقي، وتأمينِ السلامة المرورية.

وتَفطَّنتْ لذلك حواضرُ العالم المتقدم، فلم تَعُدْ تُبْرِمُ أمراً، ولا تتخذُ قراراً دون استطلاع رأي السكان، واحترام توجُّهاتهم ومصالحِهم، وصار عُمْدَاتُ المُدن الرائدة في مُختلِف المؤتمرات والندوات يَعْقدون المفارقات بين ما صارت تأتي به المشورةُ والحكامةُ من مغانمَ ومكاسب، وما كان يُسفِر عنه الانفرادُ بالقرار في تجاربَ سابقة من عثراتٍ وخسائر.

وكم هو مُجْدٍ ومُفيد التآخُذُ بين المدن، وتبادلُ الخبرة بينها في مجالٍ حيوي يُعْنَى بتنظيم السير الذي يُعتبر رافعة للاقتصاد، وداعماً للسياحة، ومُؤَمِّناً للنقل والتواصل وتيسير الخِدْمات.

وتَحْضُرُني وقائعُ المناظرة الوطنية الرابعة حول السلامة الطرقية، التي اهتمتْ بتنظيمها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير في مارس 2002 ، وقدمت من خلالها نموذجاً رائداً للحكامة الجيدة، بسهرها على استحضار مُختلِف أطياف الفاعلين والمعنيين بأمر السلامة على الطريق، وكانت مناسبة ثمينة لاستعراض الآفات والمشاكل، والتبشير بعدة حلول وبدائل، مَهَّدتْ لكثير من القرارات الحازمة، والإجراءات الواقية (كالإلزام باستعمال حزام السلامة، ومنع إركاب الصغار في مقدمة السيارة، وإحداث اللجان الجهوية للسلامة الطرقية، وتَعداد الوصلات التلفزية والبرامج الإذاعية، وإعداد الإستراتيجية الوطنية الأولى للسلامة الطرقية 2004 ـ 2013، فمدونة السير 52.05 وما حفلت به من بيانات وتشريعات لضبط السير على الطرقات ).

غير أن المناظرة لم تتكررْ، وصارت كلُّ مدينة تُهَيِّئُ الفضاء الطرقي، وتنظم السير على مزاج مُدَبِّريها، مما يُؤكدُ مَسِيسَ الحاجة ـ أكثر مما مضى ـ إلى إحكام التنسيق بين المدن في الوطن الواحد.

وَمَنْ لذلك غَيْرُ ثلاثيةٍ تنْتَظِمُ مديرية الجماعات المحلية، ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، فعليها ـ مُتعاونةً مُتكاملة ـ تنعقدُ الآمالُ في مُعاودة تجربة تنظيم مناظرة وطنية جامعة،  لِحَثِّ مُسَيِّري المدن على تيسير تبادل الخبرة فيما بينها، واعتماد الحكامة، في تدبير مرفق هام ما فتئت إستراتيجية 2017 ـ 2026 تَعِدُ ـ إذا أُحْسِنَ تدبيرُهُ ـ بربح 50%   من رهانات إنقاذ الأرواح، والوقاية من الإعاقات، والْحَدِّ من الخسائر في التجهيزات والأموال.