adsense

2021/12/09 - 9:25 م


 بقلم زهير دادي عضو الحزب الاشتراكي الموحد فاس

لقد استهل موقعو أرضية تيار اليسار الوحدوي بتاريخ 21 يونيو 2021 أرضيتهم بكونها مشروعا، وهو ما يعني أنها لم تصر قانونية بعد، لأن المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد لم يجتمع بعد في دورة عادية أو استثنائية لكي يتداول بشأنها، وهو ما يحيل ضمنا على أن الأرضية لم تأخذ صفة القانونية. على هذا الأساس لا يمكن أجرأتها بأي حال من الأحوال أو تبني أفكارها حتى من قبل الموقعين عليها، والذين ينبغي عليهم أن يلتزموا وبقوة القانون بكل الأفكار التي وردت في أرضية الأفق الجديد، بصفتها أرضية مؤطرة لعمل الحزب بصفة عامة. وهذا يعني أن الأرضية التي نحن بصدد مناقشتها لم تأخذ المشروعية القانونية بعد من المجلس الوطني. لقد ورد في مقدمة مشروع الأرضية التي لم تتجاوز ثلاثة أسطر على أن الجزء الأول منها مبني على التشخيص، فيما الجزء الثاني مبني على التوجهات العامة؛ أي التصورات السياسية الكبرى للتيار. غير أن المعيب هنا هو ما يرتبط بالجزء الأول المتعلق بالتشخيص، وهو الجزء الذي بُنِي فقط على تشخيص الأوضاع الداخلية للحزب، وهو التشخيص الذي لا يرقى بحسب المقدمة إلى حالة التيار، بقدر ما يمكن اعتباره حركة تصحيحية ليس إلا.

في المدخل القانوني

لقد حددت المادة 16 من النظام الداخلي للحزب الاشتراكي الموحد الشروط التي ينبغي توفرها في كل أرضية يمكن أن تُطرح للنقاش "في إطار التحضير للمؤتمر أو بغاية استيفاء شروط تكوين التيار" وهي: "1-التوجهات الاستراتيجية الكبرى. 2-الوضع السياسي القائم. 3-البرنامج الحزبي المطلوب. 4-التحالفات. 5-التنظيم والأداة". فهل تستجيب الأرضية لهذه الشروط؟. من خلال المقدمة فإن الأرضية قد بنيت على تشخيص الوضع الداخلي للحزب، وليس الوضع السياسي القائم بالبلد، ما يجعل الأرضية فاقدة للمشروعية انطلاقا من المقدمة نفسها، ذلك وبحسب زعم الموقعين عليها أنها بنيت على تشخيص الواقع الحزبي فقط، وهو ما لم يُذكر في الشروط الواردة في المادة 16. في حين أن الشروط الأخرى التي تحدث عنها النظام الداخلي فهي منتفية.

في تشخيص وضعية الحزب

لقد ورد في الصفحة الثالثة من الأرضية: "هناك وضع غير طبيعي في الحزب، فقد صوت المؤتمر الوطني الرابع لحزبنا على أرضية الأفق الجديد التي حازت 80 في المائة من الأصوات، ولكننا نلاحظ في الواقع العملي بأن المضامين التي يجري تصريفها في الخطاب والممارسة هي تلك التي وردت في أرضية رفاقنا في تيار اليسار المواطن والمناصفة والتي حازت 16 في المائة من الأصوات". وبعد ذلك مباشرة تحدد الأرضية هاته الاختلالات بتفصيل. إن هاته الفقرة لوحدها قادرة للطعن في الأسس التي استند عليها هؤلاء في تدبيج الأرضية، ذلك أن الفقرة لا تتحدث عن خلل في أرضية الأفق الجديد أو قصور ما، بل فقط بالاستيعاض عنها بأرضية الأقلية. والحال أن هذا التحليل طارئ، ذلك أنه لم ينبهنا أحد من رفاق التيار الوليد إلى هاته الإشكالية العويصة التي تعتبر بمثابة "سرقة" لصوت الأغلبية. إن الموقعين على الأرضية الجديدة، لم يثيروا مثل هذا الإشكال من ذي قبل، سواء في المكتب السياسي أو المجلس الوطني أو التدوينات التي يكتبونها عبر وسائط التواصل الاجتماعية. وإذا كان هذا الأمر صحيحا، أي أن المكتب السياسي يطبق أرضية تيار اليسار المواطن، فما على هؤلاء إلا تنبيه المكتب السياسي إلى خطورة هذا الوضع دون الحاجة إلى كتابة أرضية جديدة. هذا الأمر يجعلنا نتساءل عن الدافع الحقيقي وراء ظهور هذا التيار في الهزع الأخير من الولاية الرابعة للحزب، وفي الشهر الذي يسبق شهر الانتخابات مباشرة. إن الاختلالات التي عددتها الأرضية ترتبط كلها بالاندماج مع باقي مكونات فيدرالية اليسار الديموقراطي. فهل جاءت الأرضية من أجل هذا الهدف بالذات: الاندماج هنا والآن؟ وهنا لا بد من التذكير على أن الأرضية لم تكن أمينة في استعراض النقاط الموجودة في أرضية تيار المواطن والتي تطبقها الأغلبية. لقد انبنى استعراض النقاط على التأويل فقط، وليس بالعودة إلى أرضية اليسار المواطن وكتابة توجهها "الرافض صراحة أو ضمنا" للاندماج كما هو موجود في الأرضية. كل ما هنالك، تأويل تعسفي للنص الأصلي، وتعسفي لبعض فقراته في أحسن الأحوال. والحال أن الإحالة عندما تقتلع من جذورها، يمكن للمرء أن يوظفها حتى ضد النسق الفكري والسياسي الذي جاءت لتدافع عنه.

إن القول إن "هناك أرضية لا تحفل بعنصر الزمن، وهناك أرضية تقدم تقديرا للمدى الزمني الذي سيتطلبه مسلسل الاندماج" هو قول مردود ولا يخدم الأرضية الجديدة في شيء. وحتى إن كانت أرضية تيار اليسار المواطن، لا تحث على ضرورة سيرورة الاندماج في السياق الزمني المطلوب، فإن التوقيت الذي اختاره متزعمو الأرضية الجديدة يبقى أكثر تهافتا من أية أرضية أخرى، وهم الذين فضلوا الظهور في الوقت الميت وعشية الانتخابات الجماعية والبرلمانية والتي تتطلب التأني ورص الصفوف من قبل الجميع.

في الأفق المنظور

لقد صوت المؤتمرات والمؤتمرون إبان المؤتمر الرابع للحزب الاشتراكي الموحد سنة 2018 على أرضية الأفق الجديد التي تنص صراحة على ضرورة الاندماج وضرورة التحضير الجيد له، وذلك في الأفق المنظور، الذي يعني إنضاج الشروط حتما من أجل الاندماج. فهل السياقات التي عرفها الحزب إبان وبعد المؤتمر يمكن أن تفضي إلى نتيجة الاندماج؟. إن العكس هو الحاصل تماما، ذلك أن هذا التيار "التصحيحي" على صحة ادعائه والذي ظهر مؤخرا، هو تيار موجود ويشتغل في الخفاء منذ أربع سنوات، وممثل في المكتب السياسي، ويقوم بعدة مهام تتمثل في الكبح والفرملة قصد إضعاف التجربة ومن ثم الخروج في آخر المطاف بالأرضية. إن الأشياء التي كانت تبدو عبثية وغير منطقية والتي تظهر على شكل ردود أفعال بين الفينة والأخرى، قد اتضح في آخر المطاف أنها أشياء نسقية وصادرة عن عقل مدبر واحد، والذي توج مساره بإعلان تيار اليسار الوحدوي.

إن الفقرة التي تم اجتزاؤها من أرضية الأفق الجديد بغية إعطاء البرهان على ضرورة الاندماج، وأن المكتب السياسي الحالي لم يعمل على تفعيل ما جاء في الأرضية، هو اجتزاء لم يخدم النتيجة التي أراد أن يصل إليها أصحاب أرضية اليسار الوحدوي. لقد ورد في الصفحتين 4 و5 من أرضية اليسار الوحدوي مقتطفا من أرضية الأفق الجديد: "سيكون علينا في المدة المتبقية، تسريع وتيرة التنسيق والعمل بين تنظيمات وهياكل الأحزاب الثلاثة، وطنيا وإقليميا ومحليا، طبقا للبرنامج المسطر، وخوض حوارات ولقاءات تحضيرية للحدث السياسي النوعي، وأنشطة عمومية تعبوية مشتركة في مختلف مناطق المغرب، وتنظيم الجامعات الموضوعية من طرف الفدرالية بمعدل جامعة كل ستة أشهر، لتيسير شروط الاندماج، وتجسيد العلاقات الرفاقية بين المكونات، وتدمج في هذه الجامعات الفعاليات التي يمكن أن تسهم في بناء الاندماج مع تنويع مدن وجهات تنظيم هذه الجامعات.." إن هذه الإحالة التي جيء بها من أجل التسويغ الزمني لميلاد التيار الجديد، تقدم حقيقة عكسية، ذلك أن إنضاج الشروط هو ما يقوم به المكتب السياسي منذ انتدابه في المؤتمر الرابع. هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية، فإن هاته الإحالة لم تتحدث صراحة عن تاريخ محدد للاندماج، لأن هذا الأخير مشروط بإنضاج الشروط.

في الاندماج الحزبي أولًا

تتحدث الأرضية الجديدة عن التلاؤم والتداخل الموجود بين مناضلات ومناضلي أحزاب الفيدرالية على المستوى المحلي، وهو ما لم تأخذه قيادة الحزب الاشتراكي الموحد بعين الاعتبار. ورد في الصفحة 10 من الأرضية: "والغريب، أنه في الوقت الذي تتطور فيه العلاقات بين مناضلي الأحزاب الثلاثة، على المستوى المحلي، من حسن إلى أحسن، نلاحظ، على المستوى الوطني، لدى عدد من رفاقنا، على وجه الخصوص، بزوغ عصبية حزبية طارئة تتوجس من مناضلي الحزبين الآخرين." لقد اشتكى الرفيق محمد الساسي أثناء تأطيره لندوة سياسية بفاس من تنظيم حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية فرع فاس، من عدم حضور الرفيقات والرفاق الذين وقعوا معه بيان الانشقاق فيما بعد، ذلك أن الساسي قد كان شاهدا، بل ومتذمرا من المستقلين الذين لم يشكلوا "جمهورا" له في تلك الندوة، ثم، بعد زمن قصير من ذلك، وبدون تطور في العلاقات الرفاقية في الواقع، يقر في مشروع الأرضية هاته، أن العلاقات الرفاقية في تحسن مستمر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح: كيف للساسي أن يتحدث بوثوقية عن العلاقات الرفاقية المتينة بين مناضلي أحزاب الفيدرالية، ومكون المستقلين داخل الحزب الذي كان ينتمي إليه لم يحضر ندوته؟. إن الأولوية التي كان من المفروض أن تتحدث عنها الأرضية، هو الاندماج بين المكونات السابقة المؤسسة للحزب وتقييم تجارب الاندماجات السابقة، قبل أن يتحدث عن العرض السياسي الجديد.

إن "الحديث عن (الاندماج القسري) وعن سياسة (لي العنق والابتزاز)"، والذي تتحدث عنه الأرضية، لم يكن تجنيا، بل هو واقع لا محالة، ذلك أن القول بأن المؤتمر الرابع للحزب قد "قدر أن الاندماج سيحصل قبل الانتخابات 2021 وأثناء ولاية الأجهزة المنبثقة عنه"، هو ابتزاز سياسي وكذب وتدليس وقفز صريح على مخرجات المؤتمر الذي تحدث عن "الأفق المنظور"، وهي العبارة التي وظفها محمد الساسي في الكثير من المداخلات والندوات. إن "سوء التفاهم الكبير" الذي تحدثت عنه الأرضية، هو بصيغة أخرى، قرصنة لمقررات الحزب من قبل أولئك الذين يمثلون الحزب في الهيئة التنفيذية للفيدرالية، إذ لا يتحدثون باسم الحزب، بل باسم مكون الوفاء للديمقراطية.

إن الذين يرفضون الاندماج الآن بمبررات "واهية"، يرفضون في المقابل طرح رأيهم هذا للتصويت داخل المجلس الوطني، الذي يعتبر أعلى هيئة تقريرية في الحزب، والحال أن من عَطَّل مؤسسة المجلس الوطني ولمدة زمنية طويلة، هو منسقه الوطني محمد الساسي، لأنه يعي جيدا أن له تمثيلية ضعيفة داخل المجلس الوطني، وعليه، ينبغي كبحه عن أداء مهامه، والقول في المقابل، أن المكتب السياسي والأمينة العامة العامة خاصة، هما اللذان يقفان وراء تعطيل المؤسسات. إن الذي يستكثر على مؤسسة المجلس الوطني ممارسة حقها في التداول والتقرير والتصويت هو منسقها الوطني الرفيق محمد الساسي.

في الحث عن الوضوح والتمترس ضده

ورد في الصفحة 12 من الأرضية في إطار الحديث عن حزب الطليعة والمؤتمر: "فمن حقهما علينا أن نصارحهما بما نفكر فيه وبالمخاوف التي قد تكون راودتنا بخصوص نجاعة المشروع والآثار المترتبة عنه"، وهي الجرأة نفسها التي لم يمتلكها محمد الساسي ورفاقه اتجاه حزبهم الأصلي، حيث اشتغلوا كتيار، بل كحلقية، لمدة سنوات دون أن يصارحوا الحزب بذلك، لقد اندمجوا داخل الحزب ولم يندمجوا في المقابل؛ اندمجوا تكتيكيا من أجل الاستفادة مما يوفره لهم الحزب من غطاء سياسي وإشعاع وطني قَلَّ نظيره، من فروع ومن مقرات… ولم يندمجوا استراتيجيا، لأنهم كانوا يمارسون التقية داخل الحزب لكي لا يتحللوا، والحال أن وجهة النظر هذه حقيقة مطلقة تنطبق عليهم جميعهم. لم يصارح الساسي ورفاقه رفيقات ورفاق الحزب الاشتراكي الموحد بما كانوا يضمرونه اتجاههم واتجاه الحزب، لكنهم لم يستحوا في مطالبة الحزب بضرورة مصارحة الحليفين بشأن الاندماج.

في الحلم بالمؤتمر الموؤود

لقد طرحت الوثيقة أهمية "عقد المؤتمر الخامس للحزب، في جو رفاقي مسؤول، ومطارحة كل القضايا التي تهم حاضر الحزب ومستقبله، وتوفير جو التباري الخلاق بين مختلف الأرضيات والأطروحات التي تحمل تصورات لما يجب عمله"، غير أن محمد الساسي ورفاقه لم يلتزموا هم أنفسهم بما ودُّوا فرضه على الجميع. لقد كان حريا بأصحاب الأرضية الدفع في اتجاه عقد المؤتمر الوطني الخامس من أجل مناقشة القضايا المطروحة من قبلهم. والحال أنه وحتى إن افترضنا راهنية المطلب وأهميته، غير أن الوسيلة المعتمدة وكذا التوقيت الذي طُرحت فيه الأرضية يحملان ملامح الغدر والخيانة، وفي أحسن الأحوال لي ذراع الحزب من أجل فرض أجندة تيار متقوقع على ذاته؛ جماعة من الناس الذين ساهموا في صياغة أرضية الأفق الجديد، ثم تهربوا من تحمل المسؤولية بصياغة وثيقة أخرى مرتبكة وضعيفة لا تليق بتاريخ أحد رموزها: الأستاذ محمد الساسي.

لقد تحدثت أرضية محمد الساسي عن رسالة محمد بنسعيد أيت إيدر بتاريخ 23 مارس 2021، وهي الرسالة التي توجه بها إلى عموم أعضاء الحزب والفيدرالية وعموم اليساريين. لقد تجاهل بعض قياديي الحزب رسالة المجاهد أيت إيدر بحسب محمد الساسي، غير أن العكس هو الصحيح… إن رسائل أيت إيدر هذه العديدة والنوعية دائما ينبغي أن تُقرأ في سيرورتها وتراكماتها التي تحققها وفي نسقيتها أيضا، لا أن نكتفي بالقراءة التجزيئية المبسترة التي لا تخدم التاريخ والحقيقة… لقد كان رفاق محمد الساسي من أشد المعارضين لكل الرسائل التي يوجهها الرفيق المجاهد إلى عموم مناضلات ومناضلي الحزب. ثم فجأة سيتحسر على أننا لم نُولِ أهمية لفحوى الرسالة الداعية إلى ضرورة تحمل المسؤولية فيما يخص موضوع الاندماج. يا لفداحة الموقف.

(يتبع) ..