adsense

2020/06/10 - 12:22 ص

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق /الجزائر 
صورة مأساة ومعانات وضياع، تنسجها خيوط مشاكل وتجاوزات أسرية، بألوان القمع والجهل والفقر، أطفال وشباب يصارعون الواقع، سلاحهم التسول وبعض المخدرات الحقيرة، يفرشون الأرض ويلتحفون السماء، وينتظرون المساعدة كما ينتظر الضمان في الصحاري ما يجلبه الإناء من قعر البئر.
منهم من حضي برعاية مراكز إيواء الطفولة المشردة واستقام حاله، ومنهم من ينتظر، وتتشابك الخيوط لتنسج نوعا أخر من الضياع، أطفال عاشوا في السجن ويغادرونه محملين بأصناف الحقد والحرمان.
فلماذا هذه الظاهرة؟، وما أسبابها و مسبباتها؟أسئلة كثيرة ليست لها أجوبة.
هنا في عاصمة الشمس والبحر الجزائر ، يوجد أطفال وشباب بوجوه بائسة متسخة، وملابس بالية، وتمتمة بكلمات غير مفهومة، تعبر عن اعتراض ورفض للعالم كله، استعطاف واستجداء بهدف الوصول إلى صدقة قليلة، وأظافر طويلة تجمع من الأوساخ ما جادت به سنوات الضياع، وتقاسيم وجوه تختزل قصصا وحكايات وتجارب، تحمل من الماسي والظلم والإقصاء ما تلخصه عبارات “أطفال الشوارع” أو”الأطفال المتشردين، وسط هذه المدينة السياحية أصبحت هذه الظاهرة من الأشياء التي اعتادت عليها ساكنتها من سورين وماليين ، تجد أطفال وشباب في مواقف السيارات، قرب المطاعم وعلى الأرصفة، لا ملجأ لهم، لا مسكن، يتخذون بعض الأماكن المهجورة مكانا للمبيت، مفترشين الأرض وملتحفين السماء..
تتعدد الأسباب بتعدد الحالات وتنوعها، لكنها تتقاطع لتشكل خليطا يجمع بين مشاكل نفسية وعائلية، اجتماعية وتربوية، تتفاعل فيما بينها لتفرز هذه الطفولة المقهورة والهامشية، والمعذبة في الأرض، طفولة متشردة، متسولون ومختلون عقليا، وأصبحنا نجد أسرا بأكملها مشردة تمتهن التسول، بجنب الطرق والحدائق ومحطات المسافرين، وضعيات اجتماعية مختلفة وتشرد في كل مكان، أطفال اختاروا حياة خاصة بعيدا عن الأسرة والمجتمع، وضعية مؤلمة تدعوا إلى الرأفة والرحمة، صورة تختزل مأساة حقيقية وتدفع إلى التساؤل عن مصير هؤلاء المشردين داخل المجتمع، بعد أن نشئوا خارج حماية الأسرة وحرموا من الطفولة ومن أبسط الحقوق كالتعليم وحضن العائلة..
إن ظاهرة بهذا الحجم تحتاج إلى بحوث ميدانية مكثفة، قصد إفراغها وفرزها وتحليلها ثم استخلاص نتائجها، لتحديد الدوافع والأسباب، لأن الوضعية مؤلمة حقا، تحتاج إلى جرأة سياسية وتدخلا قويا من طرف المجتمع المدني بكل مكوناته، قصد معالجة مشكلة التشرد من جذورها بصفة نهائية، وإعطاء الأهمية للطفولة المشردة لتقويض المشكل وحصره والحد من مظاهر خلله، كتشجيع التبني وخلق مبادرات أخرى هذه المرة من باب التنمية الأسرية، لقطع حبل التخلف والفقر والنزاع والفساد الأسري، الذي يجعل أبناءنا لقمة في فم وحش التشرد.