adsense

2019/12/20 - 5:37 م

بقلم ابراهيم فارح
إذا كانت التربية في معناها العام، تعني تنمية جوانب الشخصية الإنسانية تنمية متوازنة ومتكاملة، فإن التربية السياسية يجب أن يكون أهم مرتكز من مرتكزاتها هو تقوية الشعور بالانتماء، والمسؤولية والاعتزاز بالشخصية الوطنية للفرد والجماعة على حد سواء، وهذه مطالب أصبحت ماسة وأكثر إلحاحا في مجتمعنا، إذ أن تنمية ذلك الشعور يجعل المواطن حريصا على إدراك حقوقه وواجباته وتفهم مشكلات مجتمعه.
لكن الرجل القوي في حكومة العثماني ترك كل هذا وغيره، وانبرى إلى النظر في سلوكنا، ورأى ما نحن عليه من "قلة الترابي" وأكد بأن مهمته الكبرى هي أن يعيد تربيتنا.
كنا نأمل من الرجل أن يعتبر التربية وإعادة التربية، مدخلا من مداخل الإهتمام بحقوق المغاربة في هذا الوطن المغلوب أهله على أمرهم، اهتماما يستحضر حقهم في التعليم والصحة، وحقهم في المسكن اللائق وحرية الرأي وفي الاختلاف والمساواة والديموقراطية.
كنا نأمل من الرجل أن يكون مقصده من التربية وإعادة التربية خدمة المغاربة والحرص على إعطاء برامج تتسم بالمنطق والواقعية، هدفها تنمية الإنسان المغربي وتثقيف قيمه وسلوكه، على اعتبار أنها ضرورية لتنمية المجتمع وحداثته.
كنا نأمل من الرجل باعتباره رجلا قويا ومؤثرا، على أساس أنه من أثرياء البلد ويقود حزبا لا يستقيم ظهر الحكومة إلا بوجوده، أن يعمل للحيلولة دون تشكل بوادر الانقسام في المجتمع ومساره، وأن يعمل لاستعادة التوازن وتغيير الثقافة السياسية السائدة بأخرى تتخطى الولاءات الضيقة وتعزز الإحساس المشترك بالتضامن والهوية.
لكن الرجل ترك كل هذا، وحركات جسده وتقاسيم وجهه، تشير أنه لن يتوانى في استعمال عصا غليظة وصلبة مثل رؤوسنا، ليقوم بتربيتنا التربية اللازمة من أجل تخليصنا من أفكارنا الهدامة.
لكن رجلا آخر جاء من وسط المدينة يسعى، لينافح عنا بالنيابة، فقد أدهشني الدفاع المستميت الذي أبداه الرجل وهو يأمر صاحبنا للنظر في بعض شؤونه ويترك أمر تربية المغاربة، ونحن مكسوري الجناح ما كان أحوجنا لرجل نطمئن بوجوده إن أدرنا ظهرنا لعدو يترصدنا أو واجهنا خصما أكبر منا، وأن نوقن أن القلب بالقلب موصول على نور وفهم، لكن الأمر يختلف هذه المرة لأننا نعلم علم اليقين أن آخر رجل يمكن أن نطمئن لدفاعه عنا هو من انبرى لذلك بغير تكليف، فلقد خبرنا الرجل وجربناه، وعلمنا أن أكثر ما طوره من أنواع الدفاع عنا  وتفوّق به على شركائه، هو الضحك على الذقون نعم انه صناعة الرجل خالصة مئة في المئة ،فضحكه حالة متفردة لا تشبه مكر الثعالب ولا سرعة الأفاعي ولا غدر العقارب ولا حقد الجمال، ولكن الرجل جعل من كل ذلك كله خلطة عجيبة لا يعرف سرها إلا هو، ويعرف أنسب الأوقات لاستعمالها واقتناص الثمن.
فإلى متى سيبقى هذا الشعب المضحوك عليه صامتا ينتظر من شجر السياسة أن يشرع في إسقاط ثمره عليه وهو نائم في العسل، نحن بحاجة إلى من يرعانا ويقودنا إلى بر الأمان، ويشبع البطون التي جاعت، بدل من يربينا، أو يأخذ الملايين على ظهورنا، ولكن   الذقون مهمة جداً في حياتنا فنعموها واحلقوها، فمن دونها لن يجد الساسة ما يضحكون عليه.