adsense

2022/02/18 - 10:24 م

أثار حذف العدد الأخير من الجريدة الرسمية الذي تضمن قائمة مفصلة بالأشخاص والكيانات الإرهابية حالة من الاستغراب والحيرة، في وقت لم يستبعد فيه مراقبون أن تكون السلطات الجزائرية قد سحبت التنصيف تجنبا للتوتر مع دول أوروبية تؤوي أسماء بارزة ممن تصنفهم الجزائر كإرهابيين.

ويعتقد المراقبون أن السحب السريع للائحة يكشف كذلك عن خلافات داخل السلطة الجزائرية بشأن هذه الخطوة التي ربما تضطر دولا مثل فرنسا وسويسرا وبريطانيا وتركيا إلى إصدار موقف ضد التصنيف الجزائري الذي يتهمها ضمنا بـ”إيواء إرهابيين”، وهو ما يزيد من توسيع دائرة الأعداء والتوتّرات في وقت تعيش فيه الجزائر على وقع عزلة إقليمية.

وتداولت صحف ومواقع إخبارية في الجزائر بداية من مساء الخميس على نطاق واسع المعلومات التي تضمنها العدد الحادي عشر الصادر في الثالث عشر من شهر فبراير الجاري، قبل أن يتم حذفه بشكل مفاجئ، دون تقديم تبريرات أو أسباب خلال الساعات الموالية.

ولغاية وقت متأخر من مساء الجمعة لا يزال موقع الأمانة العامة للحكومة خاليا من العدد المذكور من الجريدة الرسمية، كما أنه لم يصدر أيّ بيان أو تعليق رسمي من الحكومة، ولم يتسن لأيّ جهة الحصول على معلومات تسلط الأضواء على الغموض الذي يكتنف القرارين المذكورين.

وإذ قدم وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة توضيحات مساء الجمعة لوسائل إعلام محلية، حول تفاصيل وشروط منحة البطالة، المعلن عنها مؤخرا من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون في خطوة للتخفيف من وطأة الأزمة الاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، فإنه لم يصدر أيّ شيء عن وزارة الداخلية التي تدير لجنة التصنيف في خانة الأشخاص والكيانات الإرهابية.

وكانت وكالة الأنباء الرسمية على رأس وسائل الإعلام المحلية التي تداولت ما تضمنه العدد المحذوف من الجريدة الرسمية، في شقه المتعلق باللائحة التي تضمنت أسماء 16 شخصا يقيمون في الخارج وحركتين سياسيتين مهاجرتين، والذين تم تصنيفهم كإرهابيين، وفق المقاربة التي كان قد اقترحتها هيئة المجلس الأعلى للأمن التي تجتمع دوريا بالرئيس عبدالمجيد تبون.

وبذلك يبقى مصير التصنيف والأشخاص المعلن عنهم مجهولا بسبب حذفه بعد ساعات من نشره في الموقع الرسمي، الأمر الذي يثير الاستغراب، ويكرّس حالة التخبط داخل دوائر القرار السياسي، ولا يستبعد فرضية تراجع السلطة عن خطوتها.

واللافت في النسخة المنشورة من الجريدة الرسمية، التي اطلعت عليها “العرب”، أن كل الأشخاص الـ16 الواردة أسماؤهم في اللائحة يقيمون في عواصم غربية كباريس ومدريد ولندن وجنيف وأنقرة، وهو ما يعتبر إحراجا جزائريا لتلك الحكومات باحتضان شخصيات تم تصنيفها كإرهابيين.

ولم يصدر أيّ تعليق في أيّ من الدول التي يقيم فيها الأشخاص الـ16 المصنفون جزائريا كإرهابيين، سواء بالنسبة إلى تركيا التي يقيم فيها رضا بوذراع ومنار منصري، أو سويسرا التي يقيم فيها مراد دهينة وعباس عروة، أو فرنسا التي يقيم فيها هشام عبود وأمير بوخرص ويحيى مخيوبة وفرحات مهني.

ويرى مراقبون أن الخطوة الجزائرية طبعها التسرع وعدم التنسيق، وقدمت إدانات مبطنة لحكومات غربية رغم أنها لم تقدم دلائل تدعم اتهاماتها تجاه هؤلاء الأشخاص، وهو ما يتناقض مع الموقف الجزائري ويضعف حجته أمام التصنيف الدولي للإرهاب والإرهابيين.

وضمت اللائحة الجزائرية قادة في حركة تقرير مصير منطقة القبائل “ماك”، وعلى رأسهم فرحات مهني المقيم بباريس، فضلا عن قادة آخرين لحركة “رشاد”، وعلى رأسهم الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، المقيم في لندن، فضلا عن أشخاص آخرين أدرجتهم في التنظيم الأخير، كما هو الشأن لهشام عبود وأمير بوخرص اللذين نفيا انتماءهما للتنظيم.

وكانت السلطة الجزائرية قد صنفت خلال الصيف الماضي “ماك” و”رشاد” كحركتين إرهابيتين، واتهمتهما بالوقوف وراء أعمال تخريبية في البلاد، كموجة الحرائق التي عرفتها منطقة وسط البلاد، فضلا عن تهديد سلامة البلاد ووحدتها، والتخطيط لدفع احتجاجات الحراك الشعبي إلى مواجهات دامية مع قوات الأمن، في وقت قال معارضون وقتها إن تلك الاتهامات هدفها التغطية على فشل السلطات في أداء دورها. ومنذ ذلك الوقت أعلنت تقارير أمنية تفكيك العديد من الخلايا التابعة للحركتين، كما تم استحداث غرفة خاصة في القضاء لمعالجة تلك القضايا، فضلا عن تعديل قانون العقوبات بشكل يتواءم مع ما تراه “حربا على الإرهاب والمخاطر الأمنية والاستراتيجية”.

ويتواجد منذ تسعينات القرن الماضي ناشطون معارضون للسلطة، في عدد من العواصم الغربية، وإذا كان الأمر في السنوات الأولى يتعلق بقيادات ووجوه من التيار الإسلامي، فإن السنوات الأخيرة شهدت التحاق العديد من الناشطين بصفوف المعارضة في الخارج من تيارات سياسية وأيديولوجية أخرى، منهم الانفصاليون الأمازيغ وعلمانيون ويساريون ومستقلون.

وكثّفت السلطة الجزائرية في الأشهر الأخيرة من جهود تطويق نفوذ شخصيات مهاجرة في تيار المعارضة السياسية في البلاد، حيث أصدر القضاء عددا من مذكرات التوقيف الدولية، وتم استحداث هيئة تحت إدارة وزارة الداخلية لتصنيف الأشخاص والكيانات الإرهابية.

وتمكنت الجزائر في غضون الأشهر الأخيرة من استعادة ضباط منشقين عن مؤسسة الجيش برتب متواضعة، مثل الدركي محمد عبدالله من السلطات الاسبانية، والعسكري قرميط بونويرة من السلطات التركية، رغم أن الأخير يوصف بـ “الصيد الثمين” كونه كان يشغل منصب السكرتير الخاص لقائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.

كما تنتظر الجزائر استلام ضابط صف آخر وناشط مدني من السلطات الفرنسية، ويتعلق الأمر بكل من محمد بن حليمة، وأمير بوخرص، غير أن التعقيدات القضائية والالتزامات السياسية لدول الاتحاد الأوروبي تقلص من حظوظ الجزائر.

العرب