adsense

2018/05/13 - 7:42 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
كلنا ضد الغلاء ، وكثيرون هم من استحسنوا المقاطعة كحملة نضالية لعدم ارتباطها بأي اسم أو توجه محدد و لتجردها عن التحيز لأي أيديولوجية أو حزبية ، ولاستعمالها أسلوب "النضال بالسّلب" الذي استعمله أجدادهم عناصر المقاومة المغربية خلال محاربتهم للاستعمار الفرنسي ، والذي وظفوه ضد كل الجهات الداعمة له ، حيث كانوا يدعون المدخنين المغاربة لمقاطعة شركة "طابا" واستبدال سجائرها بــ"الكيف المغربي" ، نفس أسلوب المقاومة المتمثل في "المقوامة بالاستغناء" ونفش الشتاغات امثال "خليه يريب"  التي لاقت استحسانا كبيرا لدى المسحوقين من كل طبقات الشعب الذين دفع بالكثير منهم للانخرط فيها بكثافة ، وخاصة حينما رأو استصغار بعض الحكوميون والمسؤولون عن الشركات للمقاطَعة ، وكيفية تعاطيهم مع والخائضين فيها ، بدعوى أن الاحتجاجات ركزت على منتوجات شركات معينة دون غيرها من الشركات ، وكأنها وحدها التي رفعت أسعار منتوجاتها ، مع أن كل الشركات معنية بنفس الإجراء ، ما يعني في نظرهم أن في الأمر "إن" وأنها ليست حركة اجتماعية بريئة ، وإنما هي حملة ذات طابع سياسي لم تأت بدافع  مصالح المواطن المقهور ، بمعنى أن الأمر ليس احتجاجا على ارتفاع أسعار سلع مقارنة بما تعرفه نفس السلع في الأسواق العالمية ، من أثمنة منتدنية عن أثمانها في المغرب ، الذي تصرفت فيه الكثير من الشركات طبقا لقانون تحرير الأسعار الذي أقرته حكومة السيد بنكيران، و أن الحملة الشرسة تشنها أطراف متنفذة منشغلة بمصالحها، وامتيازاتها ، ولا تتعلق البتة بالمعيش اليومي للمواطن وقوته الشرائية بقدر ما تتعلق بحملة سياسية لتصفية حسابات حزبية بين الحزب الحاكم وبعض الأحزاب لتحقيق أجندة سياسية معينة بعيدة كل البعد عن الأساس الذي وجدت من أجله الأحزاب في بلاد العالم ، والذي هو خدمة المجتمع وتبني قضاياه اليومية وطرحها على السلطة والضغط عليها لوضع الحلول المخففة من معاناة الشعب ، العلاقة المعكوسة في الواقع السياسي لبلادنا ، والتي تعرفت فيها معاقل الأحزاب وقياداتها ركودا تاما، كلما تعلق الأمر بمعاناة المواطن مع الغلاء الفاحش والفقر المدقع ، والتهميش والإقصاء ، والتي لا تضع حماية أبناء هذا الوطن غاية لها ، ولا تحركها عذاباته ، ولا يؤرقها تحسين أوضاعه  بقدر ما تحركها الدوافع الإنتخابوية الصرفة و المواقع التي هي عندها أهم بكثير من لقمة عيش المواطن وأمنه وصحته وكرامته ، الأمر الذي  زاد من محنه الاجتماعية والاقتصادية ، وكان دافعا قويا لإحتدام المقاطعة التي لم تكن تتطلب من مسؤولي الحكومة غير التعامل المسؤول ، والإجابة على أسئلة الشعب والاستجابة لمطالبه ، بلا مساومة ، وبلا مزايدة ، وبلا مجادلة ، وبلا شعارات طنانة ، وبلا لقطات تلفزية بدائية "بايخة" تظهر هذا الزير وهو يشرب الماء المُقاطع ، وذاك الوزير وهو يشرب الحليب المُقاطع  ، نكاية في المقاطعين، إضافة إلى نكاية  التصريحات " البايخة " التي وصفت المغاربة بـــ "المداويخ" وتلك التي اتهمهم بالخيانة كل من يمتنع عن شرب حليب بعينة  ، مختزلة مفهوم الوطنية في نوع من الحليب ، وكما يقال أن :"الصغائر تنقلب كبائر اذا قوبلت باللاوعي واللامسؤولية" ويبقى السؤال المحير الذي فرضه تعامل بعض الوزراء وبرلمانيين تجاه حملة المقاطعة هو : هل الوزراء في خدمة المواطن أم الوزراء في خدمة الشركات الاستهلاكية التي تستغل المواطن؟ .