adsense

2018/02/16 - 12:06 م


بقلم الأستاذحميد طولست
غريبة هي دنيا الأحفاد ، الرائعة التي تسرقنا نحن الأجداد من أنفسنا ، و تدفع بنا للبدل والعطاء الدائم غير المشروط لإسعاد أحفادنا ، بغض النظر عن الوضع الذي نكون عليه وفيه، وحتى وإن استنفد منا كل ما نملك من طاقة ، والأغرب من ذلك ، مشاعر الجدودية ، تلك الغريزة المدهشة والقوة الخارقة القادرة على تعويضنا ، ما قد يصيب أجسامنا من ضعف ووهن ، ويعتري حياتنا من شعور بالوحدة ، ويحقق لنا الرضا والإشباع النفسي ، ويمتن صلاتنا بأحفادنا مند مراحل أعمارهم الأولى ، ويحسن مهارات التعلم والنضوج لديهم ، فيسعدوا بلا حدود ، بانغماسنا في دنياهم ، ومشاركتهم حياتهم المليئة باللهو واللعب والمرح البريء .
 إنها مشاعر لا توصف تأثيراتها بكل كلمات لغات الدنيا ، تلك المشاعر التي تستطيع أن تجعلني أستيقظ منشرحا من نومي في كل لحظة يزورني فيها حفيدي ، وأقفز من فراشي فرحا أنفض غبار التعب عني ، ولو كان بي مرض أو حزن أو ضجر ، وأتخلى على كل التزاماتي وأترك جل مسؤولياتي ، لأسعى جاهدا لتلبية جميع طلبات حفدي وسيم المفاجئة والملحة التي تتصدر لائحة أوامره التي لا تنتهي ، والتي كثيرا ما تخطفتني ببطيء لذيذ من ركام السنين وازدحام الكهولة وتكاليف الشيخوخة ، وانتزعتني برقة وحنو من مصادرة الذات ومراقبة اللذات ، واستدرجتني في استسلام وجداني ، إلى عوالمه الطفولية ،  وإلى لهوه البريء ، وفرحه الصادق ، الذي يُولّد من ابسط الأشياء المتعة الحقيقية غَيْر مصطنعة ، التي تنزع بي ، رغم ما أخذه مني تقدم السن ونقص العمر والتواء دروبه من طاقة وجهد ، إلى الانخراط  بطواعية لذيذة ، في محطات لهوه الفطري وشريعته المتحكمة الجائرة التي يعاقبني بها ، إن أنا خرجت عن قوانين لعبته ، بترقب ساعة النهاية ، أو تجاوزتها بالهروب من الملعب لاهثا وراء راحة الجسد المنهك ، فلا يتوانى على إرغامي ، بدمع وبكاء يعتصر القلب والوجدان ، على النهوض لأركض وراء كل كرة يركلها بقوة وعزم ، والتي يعيد ركلها مرات و مرات  في رقص وطرب ، وقد تكون الركلة صائبة فيطير فرحا، ويقيم احتفالا بالعناق ، وأنا منبطح على الأرض ،أتخبط بين التعب الذي أبطأ خطواتي وشل عضلاتي، وبين عزيمة المثابرة في إرضاء تعصب حفيدي  وعناده  وتصلب رأيه ، ومحاولة إثبات ذاته وكيانه ، التي تذكرني بأيام طفولتي ، أسعد مراحل حياتي  وأجمل ذكرياتها  التي لا يستطيع أي ظرف  محو ما استقر منها في الذاكرة ، وتَرسخ صامدا منتصبا في الذهن ، والذي تغشاني لذته الوهمية بما حمل في طياته من قصص البراءة ، والحرية ، والانطلاق ، كلما أوغلت في العمر ، واخذ الزمان من عنفوان الصغر وعزته وتجبره ، وأحن أكثر إلى متعها المتنوعة الأوصـاف ، المـتـدرجة الـحلاوة ، والتي والله ، رغم ما أجنيه في ملعب حفيدي من لسعادة  خالية من تقلبات الزمن ، وصراع الأهواء ، وتعقيدات ألغاز الكبار ،  فإني لأتحسر وأتألم كثيرا ، وأندم شديد الندم - وإن كان بعد فوات الأوان - على انشغالي عن أبنائي الذين لم أنصت لمشاكلهم وهم صغار، بدعوى متاعب و زحمة العمل ،والنضال السياسي والنقابي ، وأرجو منهم العفو والغفران ، حتى أخرج من الحياة ، عندما يحل الأجل ، غير نادم على شيء ،  وأغادر الدنيا مبتسما.