adsense

2014/01/22 - 10:02 م


.ذ رضوان بنصار
هم آباؤنا وأمهاتنا ، هم أجدادنا ، بل هم شيوخنا الذين بلغوا من العمر عتيا ، إننا عن قصد أو عن غير قصد، جعلنا مقامهم بإحدى الزوايا القائمة من بيوتنا ، ومن جلوسهم على قارعة الطريق متنفسا لهم ، لعلهم يستأنسون بحركات المارة جيئة وذهابا ليسترجعوا شيئا من حيويتهم وحنينهم لأيام القوة والمرونة .

نعم هم تلكم الذاكرة المنسية التي تجاهلنا وجودها أو بالأحرى استغنينا عنها كما نستغني عن ألبستنا التي اهترأت  وتقادمت بمرور الزمان لينتهي بها المطاف في سلة المهملات ، أو تملأ بها الوسادات  .

 مسنونا أصبحوا عرضة للنسيان ،لم تعد أجواء بيوتنا تروقهم أو تحتويهم  رغم شساعتها وجماليتها المفرطة .هم حقا يعيشون بيننا ولكنهم في نفس الوقت غرباء لأنهم يحسون بعزلة نفسية وذهنية مع العلم أنهم على يقين تام بأن القدر سينال من وجودهم إلى الأبد ، وهذا لا يعني أن نغيبهم نحن قبل الأوان

. فترى الأسرة بكاملها تقضي جل أوقاتها خارج أسوار البيوت ، فالأب والأم تسرقهم وظائفهم من فلذات أكبادهم وحتى من ذواتهم ، أما فلذات أكبادهم ،هم كذلك  يقضون معظم أوقاتهم بالمؤسسات التعليمية  ، وبعدها يتم الزج بهم مباشرة في إحدى النوادي الرياضية أو الثقافية أو...أو...أو...وحين يرخي الليل سدوله يجمع شمل العائلة من جديد ، ويا ليته ما اجتمع . لأن الأبوين لا يجدان مكانا يخفف من إكراهات العمل سوى غرفة نومهم ليدخلوا في سبات عميق حتى إشعار آخر .

 أما الأبناء فتجد كل واحد منهم قد اختلى بنفسه في غرفته التي يحكم إغلاقها حتى " الجن الكحل " لا يستطيع الولوج إليها ، وهي بمثابة مملكته الخاصة التي تبعده عن جو العائلة ،نظرا لما تتوفر عليه من أجهزة تكنولوجية تنقله قلبا وقالبا إلى عالمه الوردي الذي لا يقبل أن ينازعه فيه أحد .وأمام هذا الجو الكئيب الذي يخيم على كل ركن من أركان البيت "الشبه مسكون" تبقى المرأة أو الرجل المسنان اللذين اكتويا بنار الانتظار ، والذين دخلوا في صراع مباشر مع عقارب الساعة، منتظرين العودة الميمونة لكل أفراد الأسرة ليرتموا بين أحضانها، وليهنأوا بوجودها ولكن هيهات ...ألا يلزمنا أن نسائل أنفسنا لم هذا الإقصاء ولم هذا التجاهل الغير المبرر لهذه الفئة العمرية ؟ فالدولة ، ولله الحمد،  أعدت لهم "دورا للمسنين" اقتداء بالغرب ، ويا ليتنا لم نسمع بها.

أما المجتمع فقد خصص للرجال منهم – المسنين -  بقعا أرضية لم يطلها سيل التعمير بعد هنا وهناك ليزاولوا بها هوايتهم المفضلة " الكارطة  أو الضامة " ، ومن النساء من يرتمين على أرض معشوشبة ،إن وجدت ، ليدخلن في حوارات ثنائية أو جماعية تنسيهم جو الكآبة الذي أصبح يطاردهن أينما حللنا وارتحلنا. فبالأمس القريب كانت للجدة أو الجد مكانة محترمة ومهمة داخل الأسر المغربية نظرا للدور الاجتماعي والتربوي اللذين كانا يلعبانه ، فهم من كان يحرص على تربية الأحفاد ويعطف عليهم، ويدغدغ مشاعرهم بالنكت والحكايات المأثورة الجميلة ، هم من يضفي على جو البيت الاحترام والوقار ، كما أنه لا يتم عقد قران إلا بمباركة من يكبر العائلة سنا " الجدة أو الجد" ، ولا تحل المشاكل التي تطفو على السطح بين الزوجين، أو بين الإخوة إلا بجعل كلمتهم هي الفيصل ، نظرا لما يتوفران عليه من بعد نظر وحكمة في تدبير أمور العائلة خاصة والحياة عامة . وزيادة على ذلك كله فهم بمثابة مصدر ومرجع لكل باحث عن الحقيقة سواء كانت تاريخية أو سياسية أو ثقافية.... . ولن يتحقق لك هذا الأمر إلا إذا جالستهم، وقمت بمحاكاة ذاكرتهم، التي قد تلتقط كل الجزئيات التي مرت في حياتهم منذ نعومة أظافرهم إلى أن أصبحوا أناسا طاعنين في السن ، مع العلم أن ذاكرتهم تبقى حية شاهدة على العصر .