بقلم الاستاذ حميد طولست
ــ يقول دوستويفسكي : ان أعمق صراعات
الإنسان تحدث داخله، حيث يواجه الخير والشر في قلبه.
يكبر الإنسان، ويزداد وعيه بالعالم من
حوله، ويتعلم من تجاربه ، ويدرك أشياء كثيرة عن صراعه المستمر مع زحمة الحياة،
لكنه غالبًا ما يغفل أن أعظم معركة يخوضها طوال حياته ، هي المعركة ضد نفسه ،
المعركة التي تتطلب منه الشجاعة والصبر، لكونها ليست مواجهة مع عدو خارجي يمكن
رصده أو تجنبه ، بل هي معركة مع الذات التي ترافقه في كل لحظة من حياته ، والتي لا
يمكنه الهرب من مواجهتها، ويكون مضطرا لمراوغتها بتبرير ما يقع فيه من أخطاء
وعثرات ، بالادعاء أنه ضحية للحياة ، أو للظروف ،أو للحظ ، أو للعائلة، أو للمجتمع
، وغيرها كثير من الأسباب والعلل التي يلقي عليها باللوم والتقريع ، ويحملها
مسؤولية أفعاله ، السلوك الذي ألفناه ،مع الأسف، في طبع الكثير منا ، إذ أنك لو
سألت أي شخص عن بعض تصرفاته غير السوية ، لوجدته يبرئ نفسه من كل فساد أو إفساد أو
أذية ، وألصقها كلها بالظروف أو بغيره بدون حق أو دليل ، بينما الحقيقة المؤلمة هي
أنه ، كما هو حالنا جميعا، مشارك فيما عم
البلاد من فساد وإفساد وأذية، وإن بدرجات متفاوتة ، حيث أن أغلبنا لا يؤذي الآخرين
بشكل مباشر، لكنه يؤذيهم عندما يكبح نفسه عن فعل الخير،أو القيام بواجبه على الأقل،
لأسباب قد تكون داخلية مثل الجهل ، أو الكسل ، أو الحسد، أو أسباب خارجية ،
مثل تأثير التربية الأسرية أو المدرسية أو البيئية المحيطة، والتي كثيرا ما تُفوت
على أصحابها فرصًا ثمينة ليكونوا أفضل ، بسبب رفضهم الاعتراف بعيوبهم ونقاط ضعفهم،
الاعتراف الذي يعتبر الخطوة الأولى والأهم في مواجهة النفس وإصلاحها، وبداية وأساس
تغييرها ، الذي لا يمكن أن يحدث إذا كانت مشاكلها غير معترف بوجودها ،ما يحتم على الإنسان أن ينظر إلى نفسه كما لو كان ينظر
إلى عدوه، فيحلل نقاط ضعفها، ويحدد أفعالها ، ليدرك بالتالي السبيل الذي يجب أن
يوجه معركته نحوه بشجاعة، عندها فقط ، سيكون قد قطع مع كل ما يتسبب في فشله أو
تعاسته ، وبدأ سيره على نصف الطريق المؤدي إلى إصلاح الذات .
قد تكون معركة التغيير صعبة، لكنها
تستحق الجهد الثمن المدفوع، فالنفس التي
تُقوَّم وتُصلَح ، تصبح أداة للبناء، الذي يبدأ بتوجيه النفس نحو العلم والصلاح
والخير، لأن التعليم هو أساس النمو والتطور، وهو السبيل لتجنب الجهل الذي يُفسد
الأنفس ، ويقودها إلى الصلاح الذي هو مفتاح تحقيق السلام الداخلي والخارجي، والخير
هو ما يجعل الإنسان عنصرًا إيجابيًا في مجتمعه.
لذا، لا تغفل عن حقيقة أن نفسك هي أعتى أعداءك، ولا تجعل أحكام الناس تُثنيك عن مسيرة تقوِيم نفسك و إصلاحها. لأن النجاح الحقيقي هو أن تخرج في النهاية من معركتك مع نفسك منتصرًا، مستعدًا لمواجهة الحياة بقلب صافٍ وعقل مستنير، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"...