عبدالإله الوزاني التهامي
عند بلوغ التهامي الوزاني العقد الثالث
من عمره، استهوته السياسة وحركته الغيرة الوطنية الناشئة أركانها آنذاك بالمنطقة
الخليفية، فكان له الدور البارز في هندسة فكرها وتأسيس دعائمها ونمو حركيتها وتطور
آلياتها ووضع خططها، وكان من زعمائها الأمناء والناطقين الرسميين باسمها.
جند سيدي التهامي الوزاني قلمه ومواهبه
للدفاع عن الوطنية وحركتها، وعمل على إيقاظ الشعب وتعليمه وتثقيفه، وبرع في مجال
الكتابة بشكل لافت غير مسبوق، فكان يدبج المقالات محللا فيها وقائع المغرب وآفاقه،
أو ينتقد الاستعمار وأعوانه ويهاجمهم، أو يدعو إلى إصلاح الوضع الداخلي.
وتنوعت الموضوعات التي كان يتطرق
إليها، فكتب في السياسة وقضايا الفلسفة وشؤون الدين، وفي الإنتاج السينمائي
والتصوف والتربية -علوم أجداده-.
واستعمل مختلف الأنواع الأدبية في
أعماله الإبداعية من مقالة وقصة أسطورية وسيرة ذاتية، وترجم من الإسبانية إلى
العربية، واستثمر معرفته بلغة الجارة الأوروبية لتقويم الأبحاث التاريخية، ومقارنة
ما كتبه الأجانب بما كتبه المغاربة في المجال التاريخي.
وهكذا ساهم سيدي التهامي في تأسيس
جمعية الطالب المغربية التي نشطت في المجال الثقافي، وأصبح بعد ذلك رئيسا لها خلال
الفترة الممتدة ما بين عامي 1940 و1945، وساهم في تكوين حزب الإصلاح الوطني، وكان
من أبرز نشطائه، وأسندت إليه مهمة الوكيل ابتداء من عام 1936، وأسس جريدة
"الريف"، وتولى شأن تحريرها، وكان يكتب مقالاتها الافتتاحية ومقالات
أخرى في أجناس صحافية مختلفة.
يذكر أن هذه الجريدة عادت للإصدار
مجددا بعد موت مؤسسها سيدي التهامي بإشراف المؤرخ البحاثة محمد ابن عزوز حكيم،
وبقيت صورة رمزها (التهامي الوزاني) تتصدر
أعلى صفحة واجهتها.
أسندت للشريف التهامي الوزاني (الودراسي
التطاوني) مسؤولية تقلد وظائف ومهام مختلفة، منها على سبيل المثال:
*عين عام 1935 مديرا للمعهد الوطني.
*عين رئيسا للمدرسة الأهلية التي أنشئت
بسبتة المحتلة ضمن المدارس الحرة.
*عين مديرا لمعهد "مولاي
عبدالسلام بن مشيش" الذي أنشئ بوادلاو، والذي أصبح بعد الاستقلال وإلى اليوم
سجنا فلاحيا.
*عين خليفة للمجلس الأعلى للتعليم الإسلامي بتطاون تحت
رئاسة الفقيه أحمد الزواقي.
*عين مديرا للمعهد الديني، ثم مديرا
للمعهد الديني العالي.
*عمل عميدا لكلية أصول الدين بتطاون
بعد الاستقلال.
*عمل رئيسا للمجلس العلمي بنفس
المدينة.
*عين أستاذا بدار الحديث الحسنية
بالرباط عام 1964.
*انتخب رئيسا للمجلس البلدي بتطاون.
*اختير مسؤولا وناظرا لأحباس الزاوية
الوزانية بنفس المدينة، واستطاع في أعوام قليلة حماية أملاكها من الضياع والتسيب،
وجمع شمل العائلة ووحد صفوفها وأصلح بين فروعها، بكل شفافية ومصداقية وتجرد.
وبخصوص التأليف، فقد ألف سيدي التهامي
كتبا قيمة، تدل على عمق نظرته للحياة وعلى موسوعيته وقوة مداركه وحسن تفننه، لو تم
حسن جمعها وترتيبها لاستفاد من كنوزها الجيل المعاصر والأجيال القادمة استفادة
عظيمة، لما تحتويه من غزارة الفوائد والحكم والأخلاقيات.
1- مؤلفات التهامي الوزاني المطبوعة:
-"المقاومة المسلحة والحركة
الوطنية في شمال المغرب"، عبارة عن مذكراته حول الحركة المذكورة.
-"تاريخ المغرب"، في ثلاثة
أجزاء، اختصر في الجزئين الأولين كتاب "الاستقصا"، وأرخ في الجزء الأخير
للفترة التي سبقت الحماية ولعهدها إلى قيام الحركة الوطنية، وهو كتاب في غاية
الأهمية.
-كتاب "الزاوية"، ترجم فيه
لنفسه في بداية أمره في التجربة السلوكية عندما التحق بالزاوية الحراقية، وأرخ فيه
لهذه الزاوية ولشيخها، ناقلا مشاهداته
ومسموعاته ومشاعره.
ويعتبر أغلب المثقفين والكتاب والأدباء
كتاب "الزاوية" أول سيرة ذاتية في المغرب، يمكن أن تتخذ كنموذج يحتذى.
-"المغرب الجاهلي"، أرخ فيه
للمغرب وشمال إفريقيا قبل الإسلام.
-"سليل الثقلين"، وهي قصة
فلسفية بديعة.
-"فوق الصهوات"، كتاب عن
العائلة الوزانية الشريفة ووضعها بالمغرب، وعلاقتها بالسلاطين العلويين، نشر في
حلقات بجريدة "الريف".
-"الباقة النضرة"، وهو مؤلف
نشرت فصول منه بالجريدة المذكورة، دعا فيه إلى إعادة النظر في قضايا الثقافة ومزج
الثقافة التقليدية بالثقافة العصرية والاستفادة من جميع العلوم، والجمع بين
الأصالة والحداثة.
وللتهامي الوزاني مقالات لا يأتي عليها
الحصر في الأدب والسياسة والاجتماع والدين والفلسفة والتصوف، نشر كثير منها في
الجرائد الوطنية والمجلات الأدبية، فيما بقيت كتاباته الأخرى حبيسة
"كنانيش" خاصة.
هذا، إلى جانب تألقه في مجال الخطابة
والوعظ والإرشاد، أثر بمضامينها العلمية في طلبته بكلية الأصول وبالمعاهد الدينية
وبأماكن اشتغاله، كلها تصب في مجالات العلم النافع، كما يشهد بذلك معاصروه وطلبته
وتلامذته والنخبة العالمة التي عاصرته.يتبع...