adsense

2020/06/01 - 6:37 م

بقلم عبد الحي الرايس
يَحْلُو للكثيرين أن يخوضوا في سيرة الآخرين تمجيداً لهم، أو نَيْلا منهم، فإذا تملَّيْتَ واقعهم ألفيْتَهم يتوارَوْن خلف هذا أو ذاك، دون أن يُفصِحُوا عن رأي، أو يستقروا على موقف.
وإنما شخصية المرء مُحصِّلة تجاربَ شتى محلية أو وطنية أو كونية تتفاعل معها، وتنْهَلُ منها، ثم تصطبغ بلون يُميزها، وسِمَةٍ تطبعها، فإذا الاسم إذا ذُكِرَ اقترن بما يَخصُّهُ ويُعْلِنُ عن حضوره.
من هنا كان المربون: آباء وأمهات، معلمين ومعلمات، أحرص ما يكونون على التحلي أوَّلاً بمكارم الأخلاق صدقاً ونزاهة، أمانة ووفاء، تضحية والتزاما، حتى تتوفر للناشئ مرجعية في مثال حي يتأثر به، ويترسم خطاه، ثم تكون الإحالة على الرسل والأنبياء أصحاب المعجزات، والتُّقَاة الأولياء، والقادة الزعماء، والأبطال صانعي الأمجاد، والعلماء الأفذاذ، والمكتشفين الرواد، فمن تجاربهم تُسْتلْهَمُ القدوة، ومن استماتتهم تُسْتخلَصُ الْعِبْرَة.
ومحظوظون أولئك الذين استنارُوا مُبَكرين، واتضحتْ لهم معالمُ الطريق، فتشبَّعوا بالقيم، واختاروا أن يعيشوا بها ولها زاهدين في ما سواها من مالٍ ونَشَب، ومناصِبَ ورُتَب.
والحياة قلما تجود بأمثال هؤلاء ممن يصنعون التاريخ، أو يغيرون مجراه، بيد أنها تحفِلُ بالعديدين ممن يركبون للإثراء والتسلط والجاه كل مَرْكَب، شعارُهم دوْماً الغاية تُبرِّرُ الوسيلة، وللتسلق والوصول يتفننون في ابتداع ألف حيلة وحيلة، فإذا أدركوا وتمكنوا صاروا للمواقع كَهَنَة، وللمناصب حُرَّاساً وسَدَنَة.
ومن عجب أن الحياة تمضي بأولئك وهؤلاء، وأن لا شيْءَ بها يدوم، فمَنْ أُلْهِمَ الصوابَ كتب سيرته بمداد النزاهة والأمانة والاعتداد، والنضال والوفاء، ومن اختار التهافتَ على المصالح، والسعيَ وراء المغانم، أضاع العمر في لُهاث، ليكتشف في نهاية المطاف، أنه كان يَجْرِي وراء سراب.