adsense

2014/03/29 - 2:56 م

توفيق بوعشرين.
إذا استطاعت حكومة عبد الإله بنكيران أن تصالح الإدارة والدولة مع المواطن المغربي بنسبة 25% فقط، فستكون قد حققت إنجازا كبيرا. 
للأسف، إلى الآن لا تظهر معالم إصلاحات كبرى في هذا المجال. سأشرح المقصود بهذا. 
أجهزة الدولة في المغرب، أي الإدارة والقوانين وثقافة المؤسسات وسلوك الموظفين... كلها وضعت من قبل الإدارة الاستعمارية زمن الحماية، وهذه الإدارة تشكلت ضد الأهالي ولصالح المستعمر. عندما خرج الفرنسيون من المغرب سلموا مفاتيح الدولة إلى النخبة الحاكمة، ومنذ ذلك الوقت بقيت الإدارة ضد المواطن وفي خدمة النظام الحاكم، الذي عوض الاستعمار في دواليب القرار. عقيدة الدولة لم تتغير.. الولاء هو الذي تغير. كان ولاء الإدارة لفرنسا فصار للمخزن... والنتيجة أن الدولة بقيت «أجنبية» عن المجتمع، هي ترى فيه عدوا أو خصما، وهو يراها عدوا وخصما... 
سأبسط الأمر أكثر.. عندما يدخل مواطن إلى مركز للشرطة، أول شيء يتبادر إلى ذهنه هو احتمال أن يُعتقل حتى وإن كان هو الضحية، ولو كان مجرد شاهد أو مشتكٍ. عندما يذهب إلى المقاطعة للحصول على وثيقة إدارية بسيطة، يستغرب إن وجدها بين يديه دون تأخير أو دون رشوة. عندما يتقاضى أمام خصمه في المحكمة، أول شيء يبحث عنه هو محام يعرف القاضي جيدا، وليس محاميا يعرف القانون جيدا، حتى وإن كان هذا الأخير في صفه.  
عندما يشتري قطعة أرض أو بيتا للسكن، أول ما يحمل همه هو هل المحافظة العقارية ستنقل ملكية البيت إليه أم لا؟ وهل إدارة الضرائب ستصدق ثمن البيع المصرح به أم لا؟ إذا أراد بناء عقار فإنه لا يعرف ما إذا كان سيحصل على رخصة البناء أم لا. إذ زاره مفتشو الضرائب فأول شيء يفكر فيه هو «رشوتهم»، حتى إن كان مواطنا صالحا يؤدي الضريبة بالنقطة والفاصلة. يقول لك: «إذا أراد المخزن أن يعاقبك فلن تعوزه الحيلة»... إذا ذهبنا إلى المحكمة الإدارية سنعاين عشرات الآلاف من القضايا التي يربحها المواطنون ضد الإدارة كل سنة، حتى وإن كانت هذه الأخيرة لا تنفذ الأحكام وتستهزئ بها، فهذا يعكس عمق الخلل بين الإدارة والإنسان في المملكة. 
إذا رأى المواطن العادي صورته في التلفزة يفرح لأنه لا يرى أن هذا الصندوق في خدمته ويمول من جيوب دافعي الضرائب. أما إذا دعي إلى حفل عيد العرش في الرباط أو حتى في عمالته، فإنه يفرح أيما فرح، ويعتبر أنه صار مواطنا يحظى بالقرب من السلطة، وربما يتحول إلى «محمي» من ظلمها، لهذا نجد كبار القوم وصغارهم يضعون صورهم مع الملوك أو الوزراء أو رجال السلطة في واجهة صالونات بيوتهم... وليس فقط في ألبوم صورهم. 
في السبعينيات والثمانينيات كانت الأسر المغربية تتحلق حول أبنائها المقيمين بالخارج وتستغرب الأسر كل الاستغراب عندما تسمع المهاجرين المغاربة يحكون قصص جميلة عن حسنات الإدارة الفرنسية أو الألمانية أو الهولندية أو البلجيكية حيث يقيمون، وكيف تستقبل المواطن، مسيحيا كان أو مسلما، أصليا أو مهاجرا، وترعاه وتخدمه وتحترمه وتقرب البعيد له، وترشده، وفوق هذا تصرف له مساعدات لكراء المنزل أو دراسة الأطفال أو تتطبيب العائلة، الناس ببساطتهم كانوا يعتقدون أن غنى هذه الدول هو سبب رعاية الدولة للمواطن، ولا يلتفتون إلى أن عقيدة الدولة في الغرب هي السبب في احترامها للمواطنين وخدمتهم، وأن مشروعية الإدارة نابعة من المجتمع وبالتالي فهي منه وإليه. 
هذا هو الإصلاح العميق الذي سيصالح المغربي مع الدولة ويزرع بين الاثنين الثقة والاحترام والتعاون لبناء المستقبل.