adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/06/10 - 11:04 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

قرأت هذا الصباح تدوينة سياسية/اجتماعية شديدة النبرة تحت عنوان " حين تجرّب كل شيء، فاعلم أنك في حضرة حكومة تُتقن التجريب وتُسيء " كتبها الدكتور بوعيدة بأسلوب ساخر ومؤلم في الآن ذاته، يعكس حالة الغضب واليأس لفئة كبيرة من المغاربة الذين فقدوا الأمل في أداء الحكومة المغربية ومؤسسات الوساطة.خلال سنة 2025 ، ويستعرض الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي بلغة مفعمة بالتشبيهات والرمزيات، ويطرح خلالها أسئلة وجودية حول موقع المواطن المغربي داخل سياسات وطنية تُدبّر دون حسّ حقيقي بمعاناة الشعب.

لقد شكلت التدوينة مرآة سوداء لواقع مغربي مقلق، لا تكتفي بالنقد، بل تدعو إلى وقفة مع الذات، باعتبار أن المسؤولية ليست فقط على الحكومة بل أيضًا على النخب والمواطنين والمجتمع المدني

تدوينة الدكتور بوعيدة ليست مجرد رثاء لحال حكومة، بل هي صرخة وجودية في وجه نظام سياسي فقد قدرته على الاستماع، وفقدت معه السياسة معناها النبيل. إنها دعوة لاستعادة الوعي، ووقف مهزلة التبرير، وكسر طوق الصمت باسم الوطنية الحقيقية. تدوينة تعرّي الفقر، وتفضح منطق الريادة الزائفة، وتُسائل في توصيف بالغ الدقة لحالة التدهور الاجتماعي والاقتصادي التي عصفت بمفهوم العيش الكريم المواطن المغربي :"هل ما زال لدينا وطن نُحبّه بالفعل، أم مجرّد نشرة أخبار ومواعيد انتخابية" التساؤل الذي ولم ينجُ من أثره حتى عيد الأضحى ، وغياب الأضحية، وغياب الفرح، وغياب كل تلك اللحظات الرمزية التي كان فيها المواطن المغربي يشعر بكرامته ولو مرة في العام ، وصار العيد "بلا روح، بلا فرح، بلا خروف"، وتحول اللحم إلى منشور سري يُباع على الهامش، في إشارة إلى انزلاق الواقع إلى "زمن المسخ". الذي لا يكتفي الدكتور بوعيدة بتشخيص الأعطاب، بل وجه سؤاله العميق والمؤلم:"السؤال ليس لماذا لا نذبح الخروف؟ بل لماذا نُذبح نحن كل يوم باسم الإصلاح؟"

السؤال الذي عرّى الشعارات الكبرى وكل الأحاديث عن "نموذج تنموي جديد"، أو "مغرب الريادة"، التي أصبحت كذبات مؤسساتية لا تسمن المواطن ولا تغنيه من جوع. والتي من مأسيها تزداد أنه يتم بها تأثيم الفقراء، واتهامهم بأنهم "يحبون الدوارة"، وكأن الفقر خيار شخصي لا نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية واجتماعية عقيمة.

تكشف التدوينة هشاشة منظومتها برمتها. بما فيها المؤسسات الوسيطة التي يُفترض أن تحمي المواطن وتدافع عنه، والتي أصبحت - في أحسن الأحوال - متفرّجة أو مبرّرة ، حيث لا برلمان يحاسب، ولا أحزاب تؤطر، ولا مثقف يواجه، ولا جامعة تسائل، ولا نقابة تصرخ..."وليس في الساحة غير صمت مريب، جعل من المواطن فريسة سهلة للإحباط، وتحوّل الوطن لذيه إلى "حلم مؤجل".

ما سبق لا يجعل تدوينة بوعيدة ليست مجرد نص على فيسبوك، بل هي وثيقة احتجاج أخلاقي على زمن اختلت فيه موازين السياسة والاجتماع والثقافة.

إنها مرآة قاسية، نعم، لكنها ضرورية في بلد يُراد له أن يصفّق للخيبة، وينسى السؤال، ويحتفل بما لا يُحتفل به.

وإذا كان العيد قد مرّ "بلا خروف"، فإن ما لا يجب أن يمرّ هو هذا الكم من الخذلان الذي يُذبح به المواطن كل يوم باسم الإصلاح.

ما نحتاجه، حقًا، ليس خطبًا جديدة، بل وقفة حقيقية مع الذات، من أجل إعادة الوطن إلى مَن يحبّونه بصمت… لا إلى مَن يستثمرون فيه أصواتًا، أو شهرة، أو مصالح خاصة.