adsense

2023/03/22 - 2:10 ص

بقلم امال عبد الرسول

 الشيميو، لكن بطريقة أخرى

يقول أحد العارفين: "في أنين الروح سر حكايتي، وعن سؤال اللم امال عبد الرسولناس عن صمتي، لم أزل أجيب بالصمت حتى باح صمتي". وبالفعل، وعلى الرغم من المد والجزر الذي كانت تعرفه وضعيتي الصحية، وهذا التأرجح بين الأمل والإحباط، بين الشعور بالانتصار على الداء وبين الاستسلام لتداعياته، كنت كثيرا ما أتوارى من وراء الصمت وبين جدران الوحدة والعزلة. موازاة لذلك، كنت أشعر كيف كان أحبتي وأهلي يقرأون هذا الصمت والانعزال. فأجد نفسي مدفوعة، من أجل التخفيف عنهم، إلى تناسي آلامي وتكسير هذا الصمت الذي كان يحبل بالمعاني.

وتستمر المعاناة مع اجتراع الأدوية والخضوع للعديد من الإجراءات الطبية. في إطار هذا المسلسل، سأجد نفسي أخوض تجربة أخرى رفقة طبيبة طيبة متواضعة وذات كفاءة، كانت وما تزال، في مقام ابنتي،رفيقتي في محنة المرض،انسانة خلوقة. إنها الدكتورة كوثر المسعودي التي لم تبخل عليَّ بالكثير من المعلومات والالتفاتات ذات الوقع الإيجابي على صحتي الجسدية والنفسية.دائما السباقة لمد يد المساعدة،أدعو ربي أن يحفظها من كل سوء هي وعائلتها الكريمة وخصوصا والدتها الطيبة مرية.

كانت تجربة متفردة بإجراءاتها وانتظاراتها.  في البداية، شعرت بقلق شديد، أضعف لديَّ منسوب التفاؤل والأمل، خصوصا وقد أخبرت بأن مصدر تزويدي بالشيميو سيكون يديَّ كالعادة! لم أكن أعلم أن عليَّ الخضوع لطريقة أخرى للزرع تسمى la chambre. وكنت، بعفويتي، وربما بسذاجتي، أظن أنه إجراء سهل، أو على الأقل، ستمر حصص الشيميو كسابقاتها، لكن، هيهات! هيهات! أصدقكم القول بأن حصص شيميو سرطان الثدي هي أكثر إيلاما وشراسة من حصص الميالوما. وكما جرت العادة، وقبل الاستفادة من هذه الحصص، نصطدم بلهيب الإجراءات الإدارية المعقدة التي تزيد الطين بلة وتضاعف معاناة مرضى أنهكهم الداء الذي استوطن كيانهم من غير استئذان.

كنت أواصل اتخاذ جرعات الشيميو التي كان تأثيرها قويا، باعثا على الإحباط والانكسار، إلى درجة أن يديَّ لم تعد تقوى على تمرير الشيميو. وهذا ما دعا الدكتورة كوثر إلى نصحي بالخضوع لإجراء la chambre أملا في أن يخفف عني آلام التزود بالشيميو. وهنا ولحسن حظي، وبتوفيق من ربي سوف أتعرف على الدكتور إبراهيم في مصلحة الإنعاش، هذا النبيل المحترم،الطيب ، الذي يسر لي جميع ترتيبات الخضوع لزرع la chambre ، كما أحالني على الأستاذ عبد الرحيم البوعزاوي بمصلحة الإنعاش لأخضع لهذا الإجراء الذي كنت، وكما سبقت الإشارة، أظنه سهلا جدا، إلا أن واقعه كان أكثر إيلاما. كان الأستاذ الفاضل عبد الرحيم، إنسانا خلوقا، ولطيفا، تفهم معاناتي، جزاه الله بكل خير، فلقد وجدت فيه هو والدكتور الطيب إبراهيم، وطنا من الرحمة، والنبل ،إليهما أتقدم بخالص الشكر على حسن تعاملهما، لن أنسى  جميل صنيعهما ما حييت،حفظهما ربي من كل سوء، وكذلك عائلتيهما.وقد يصيبك عزيزي القارئ، بعض الاستغراب،من سيل شكري وتقديري ،لكل من مد لي يد المساعدة . والجواب بكل بساطة ،لايمكنني أن أمر مرور الكرام ،دون ذكرهم جميعا ،وإقراري أن وطني الحبيب،لازال فيه أناسا ، يحملون نظافة القلوب والأخلاق، قبل نظافة الثياب،فلهم مني كل الإحترام والأمتنان ،لجميل معروفهم. ولجت هذا القسم، وخضعت لهذه العملية بعدما استشار هذان الطبيبان مع مصلحة الطب الباطني، خصوصا وأنني كنت أعاني من تختر الدم، فكان لزاما عليَّ تناول أدوية معينة للحد من ذلك.

وبعد الاطمئنان على مدى فعالية هذا الإجراء، عدت إلى المنزل. كنت أشعر بآلام فظيعة بمنطقة الحوض. بقيت على هذه الحال صابرة لمدة ليست باليسيرة، إلى أن اتصل بيَ الدكتور إبراهيم ليطمئن على حالي ويتأكد من أن كل شيء على ما يرام. ولما وجدني في حالة مزرية من شدة الآلام، خاطبني قائلا: vous ne pouvez pas souffrir sans solution ، فدعاني إلى استعمال دواء cédol على مراحل حتى يتم ضبط الجرعة المناسبة لتهدئة تلك الآلام. وهذا ما كان بالفعل، فقد بدأت في التراجع تدريجيا.

كانت آخر جرعة للشيميو في شهر فبراير، لأتوجه بعدها إلى مصلحة الأشعة لأبدأ رحلة متفردة بإجراءاتها وطقوسها ومعاناتها وآمالها. ولجت تلك المصلحة كغريق يريد الإمساك بأي شيء يمكن أن ينقذ به نفسه وتذكرت قوله تعالى: " إن الله مع الصابرين "، فسرت في كياني قشعريرة دافئة باعثة على الكثير من الأمل،والتحدي .

يتبع ...