adsense

2023/03/29 - 3:36 م

بقلم امال عبد الرسول                        

                            معين الرحمة لن ينضب أبدا

يقال: " المستحيل، مع الله تعالى، سيكون واقعا ". فهناك صدمات تهز الكيان، وهناك صدمات، مهما كانت شدتها تقويك وتبعث فيك الأمل وتجدد طاقتك على التحمل.

وأنا أواصل رحلة البوح في خضم هذا الشهر الفضيل، أتذكر أنني، وعلى الرغم من توالي السنوات، منذ أن سكن كياني الداء، لم أمسك عن الصيام إلا خلال ثلاثة أعوام. فقد كانت الضرورة تفرض عليَّ الإفطار، وبإلحاح من الأطباء، لسببين رئيسيين: أولا لكون بنيتي الجسدية أمست ضعيفة، وثانيا للحاجة الماسة إلى شرب الماء، خاصة وقد تزامنت هذه الأعوام الثلاثة مع حلول رمضان في فصل الصيف. 

مما أذكره، أني وقبل أن أشرع في الإجراءات اللازمة لبدء رحلة الخضوع للأشعة، كان لابد من الكشف عني بالسكانير للوقوف على مصدر تلك الآلام الرهيبة التي تعتمل داخل كياني. ولما كان هذا النوع من السكانير، ويسمى PET SCAN، غير متوفر بمصحات فاس، فقد دعتني الدكتورة ريم، يحفظها الله، إلى التنقل إلى الرباط. غير أني سأصاب بخيبة أمل كبرى، حين علمت، وأنا أقوم بالإجراءات اللازمة، بأن كنوبس لا تعوض ذلك، علما بأن مصاريف الاستفادة من هذا السكانير، تتجاوز العشرة آلاف درهم.

لقد أنهك زوجي الكريم، جراء تكاليف مواجهة المرض التي كانت لا تنقطع،ولن تنقطع. ولم تعد أمامنا باب نطرقها سوى باب من لا تنقضي ودائعه. وكما هي عادتي، التجأت إلى ربي ودموعي تسبقني،مما أنا فيه من هموم وآلآم، وانطلقت أردد دعاء للشيخ أبي الحسن الشاذلي " اللهم إني جئت منك إليك، ولا شيء أعز منك عليك، فكن شفيعي لديك، اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك، فاجعل ما أعطيت فوق ما قضيت حتى تمحو ذلك بذلك وانت القائل في كتابك: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ". نمت وكلي أمل في ربي سبحانه،وقلت قول ربنا(لاتدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا).

صباح اليوم الموالي، تلقيت اتصالا من إنسانة رائعة طيبة، الأستاذة حورية، وهي زوجة الأستاذ المرحوم محمد لعمول الذي أستغل هذه الأيام الربانية لأتوجه إلى العلي القدير أن يحيطه بموفور المغفرة والرضوان، وأن يجعله مع من أنعم الله عليهم من الصالحين. فقد كانت مبادراته ووقفاته معي بردا وسلاما عليَّ في كثير من اللحظات التي كان يكاد الشعور باليأس والإحباط يفتك بيَّ. قلت، اتصلت بي زوجته الفاضلة الأستاذة حورية التي دأبت على الوقوف إلى جانبي والتخفيف من همي، فسألتني: أين أنت، ابنتي أمال؟ فأجبتها بأنني بمقر تأمينات سهام، ثم تابعت: هل هناك أحد بالمنزل؟ ولما أخبرتها بوجود ابني هناك، طلبت مني دعوته إلى الخروج ليتسلم منها أمانة، ولم تكن الأمانة سوى ظرف يحتوي على مبلغ مالي لمساعدتي، بارك الله فيها وأطال عمرها، فلقد كانت ولازالت، السباقة للمساعدة دون أن أسألها شيئا، على مواجهة تكاليف العلاج الباهظة.

 صحيح ما خاب من توكل على الله. سجدت شكرا لله ودموعي تسبقني إلى الأرض. أرسلت لها رسالة امتنان وشكر، عن كل الدعم الذي تخصني به هي وزوجها الراحل الأستاذ محمد لعمول ،تغمده الله برحمته الواسعة. لم تكن هذه السيدة الرائعة، تكل أو تتمنن. لم تسألني يوما عن أي شيء، لم تطرح سؤالا عن مهنة زوجي. كانت حريصة على الحضور بنفسها لتمدني بهداياها، في تواضع ومحبة صادقة خالصة لله. كانت، يحفظها الله، تريد أن أخرج من معاناتي ظافرة سالمة. وفي نفس السياق، لا بد من التعبير عن شكري وامتناني أيضا، لأستاذتي الفاضلة، لالا جميلة الطيبة النبيلة.

توجهت لمدينة الرباط وخضعت للكشف بذاك السكانير الدقيق، فتبين أنني، ولله الحمد، لا أعاني من أي تداعيات يمكن أن تبعث على القلق. كانت هناك فقط الخطوط التي أحدثها مرض السرطان على عظامي، والتي ستظل مصدر آلام ترافقني مدى حياتي. توجهت للعلي القدير حامدة شاكرة.

عدت برفقة زوجي وابني الى مدينة فاس وكلنا أمل في غد مشرق. غداة ذلك اليوم، التحقت بمركز الانكولوجيا لإتمام الإجراءات. ولجت الغرفة المخصصة للأشعة، غرفة محكمة الإغلاق بباب من حديد، يهيأ لكل من يراها لأول مرة، أنه على عتبة صندوق كبير يتم تخزين فيه الأموال والأشياء الثمينة.

باختصار، كان مجموع الحصص التي خضعت لها، في رحلة مقاومة ملابسات  سرطان الثدي، سبع عشرة حصة. كانت مقاومة شديدة لأشرس أنواع السرطان.  كثيرا ما كانت تشتد بيَّ الآلام، وأخال نفسي مجردة من أي سلاح يمكن أن يجعل الكفة تميل لصالحي، كثيرا ما كان يستبد بيَّ اليأس والإحباط، لكن قوة إيماني بالله عز وجل، وبالدفء الذي كان يشعرني به أحبتي و" جنود الرحمان " الذين كانوا يصطفون إلى جانبي و يغدقون عليَّ من معين قلوبهم الرحيمة، كان كل ذلك، يشكل البلسم الذي يعطيني الأمل. كثيرا ما كنت أردد دعاء النبي أيوب عليه السلام: " ربي قد مسني الضر وأنت خير الراحمين" .

 يتبع...