adsense

2022/02/11 - 12:17 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

كثيرة هي أخبار الأحداث والقضايا التي سُلطت عليها - في لآونة الأخير -أضوء وسائل الإعلام لتحويلها إلى نقاشات انفعالية، يتفاعل معها الناس وفق تنوير سلبي ، تعمل الكثير من مواقع التواصل المائعة والمسخرة على  جعل القانون يتوارى أمام رمزيتها المتمثلة في قيمة المواطن المغربي -صغيرا كان أو كبيرا -بالنسبة لوطنه ملكا وشعبا، والتي أثبتتها العملية التطوعية التضامنية الإنسانية لانقاذ الطفل المرحوم "ريان " بزحزحة جبل في قرية أغران جماعة تمرون الصغيرة التابعة لمدينة شفشاون وتحريكهم لاطنان الاتربة ، ورغم كل ذلك فإنه من العبث أن تحول رمزية أي قضية مهما عضم التضامن الإنساني معها  من إبطال القوانين التي وضعت لحماية الموطن والمواطنين حتى من أنفسهم ، أو تمنع من يهه أمر هذا الوطن من تشخيص وتقييم أي حدث من الأحداث التي تقع بشكل شبه يومي في كل بلدان العالم ،ونقد ما يمكن أن يصاحبه من اختلالات وتجاوزات ،تتطلب النقد وحتى الانتقاد ، لارتباطها بالأسباب والدوافع البشرية التي تترتب عليها جزاءات بقدر المسؤولية التي يتحملها كل طرف ، بدأً من تقاعص الحكومات عن خلق نماذج تنموية مجدية لإنقاذ البلاد من البؤس الذي عم كل المجتمع ، وضرب قدرتها الشرائية... ، مرورا بمحاسبة المنتخبين وخاصة منهم منتخبي الجماعات الترابية على عدم التزامهم بالعهود التي قيدوا أنفسهم بها أمام ناخبيهم ، وعلى ضعف  إبداعيتهم في ابتكار سبل تخطي الأزمات التي يعيشها مغاربة المناطق النائية التي إنتخبوا لمراقبة ما يجري فيها والإهتمام بما يخصها في شتى مجالات من متطلبات العيش الكريم من مرافق صحية وكهربة وماء والمرافق تعليمية وثقافية ، كما هو حال أندادهم من قرويي الغرب ، الذين ينعمون بظروف العيش الرغد والمريح رغم نأي قراهم عن الحواض الكبرى ،وصولا إلى محاسبة المواطن العادي وحاصة الناخب منهم على سوء اختاره لمن يمثله من بين الأميين والانتهازيين –وإني هنا لا أعمم- وتحميله "المواطن" مسؤولية تصرفاته نحو نفسه وغيره وتجاه محيطه وأهله ودويه، والتي على رأسها الاهتمام على بيئتهم الطبيعية ، وحماية أطفاله مما يمكن أن يهدد سلامتهم وحياتهم ، كما هو حال والد الضحية ريان نفسه ، الذي لم يُسأل - كما يحدث في المجتمعات المتحضرة التي تحترم الأطفال رجال الغد - في قضية إهماله لطفل في سن صغيرة ، وتعريض حياته للخطر ، بتركه لبئر معطلة بدون غطاء أو سياج، المسألة التي يتابع فيها القانون المغربي كل من يرتكبها ، بعدم التبصر أو عدم الاحتياط أو بالإهمال ، وبالقتل غير عمد أو التسبب فيه عن غير قصد ، ويعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات ، القانون الذي لم يفعل في قضية ريان اهمالا ، ولم يتوارى نسيانا ، ولكن بسبب الانفجار العاطفي والوجداني الذي  خلفته الفاجعة ، ولفائدة الواجب الأخلاقي والإنساني وحالات الحزن والترقب العامة التي عمت الشعب المغربي والكثير من بلدان العالم ، والتي أصبح معها تفعيل لأمر المساءلة غير مستساغ لا اجتماعيا ولا شعبيا ولا ثقافيا ، ولا حتى من الناحية الدينية التي تنص على مسؤولية الإنسان على رعاية أهله كما في الحديث النبوي الشريف : كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ،الامام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل مسؤول في أهله ومسؤول عن رعيته ...

قد يجد البعض في إشراكي المواطن –وخاصة والد ريان-والحكومة والمنتخبين في تحمل مسؤولية إهمال البئر المعطلة وفاجعة سقوط الطفل الصغير فيها ، وغيرها من المفساد والإفسادات التي تعيشها البلاد عامة والأطفال على وجه الخصوص، والتي حملنا الأسلام جميعنا مسؤولية الحفاظ على حياتهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" ، نعم قد يجد العاطفيون في ذلك نوعا من الهجنة والسذاجة وربما قلة الذوق والمروءة ، لكني أؤكد لهم أن التفرقة بين هته العناصر الأساسية  في أمر المسؤولية، وإلصاق الفساد والافساد بالحكومة بهذا البشكل الدراماتيكي ، وصبّ جام اللائمة عليها وحدها دون غيرها من الشركاء ، إنما هو مجرد خديعة لتشتيت الوعي الجمعي ، وبعترت أوراق الحقيقة وتمويه مسارتها ومقارباتها وأسبابها ودواعيها العميقة الاجتماعية منها والسياسية والإقتصادية وحتى الدينية ،الخديعة التي جعلت من انتقاد الفساد والمفسدين ، في ظل انهيار المنظومة القيمية،  نغمة متكررة لاتهامات لاتسمن ولا تغنى في تغير معادلة ومحاربة الفساد في شيء ، وحولتها إلى ترنيمات ازلية من الماضي ، تفاعطف معها الناس بإنفعالية للتخفيف من ضغط ظروف الحرمان وإنعدام الخدمات ، وللتملص من عدد من مسؤولياتهم الخطيرة نحو أنفسهم ومحيطهم ووطنهم الذي يمكن أن يجعل منه التملص من المسؤولية ذبيحة قابلة للنهش والإفتراس...