adsense

2020/07/28 - 10:32 م

 بقلم الأستاذ حميد طولست
لا عيب في أن نسمي دروبنا بأسماء رجالات محلية ، ونؤثث شوارعنا بنماذج من أسماء أبناء وطننا الذين أغنوا ذاكرته الجمعية والتاريخية بما قدموه من خدمات جليلة في المقاومة والنضال ، فاستحقوا بها وعليها خصوصية التكريم ورمزية الاحتفاء ، الذي يمنح الحضور الواسع في أعين الجماهير والديوع الشاسع في المجال التداولي، ويحعل من المكرم أيقونة ونموذجا يحتذى في فضائل القيم والسلوكيات  ..
مناسبة هذا الكلام هي مشاعر الحزن التي استثارها في نفسي ، كما في نفوس كثير غيري ، خبر الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي ، عن عملية التنكر الفاضحة للتاريخ الوطني ، والعبث برموز الوطن وقياداته الوطنية، والمتمثل في إنتزاع اللوحة التذكارية التي تربعت على أكبر شارع بمدينة الدار البيضاء لعقود ، تكريما وتشريفا لارواح الـ 170 جنودي مغربي الذين استشهدوا قبل 47 عاما في حرب أكتوبر1973 بالجولان السورية ، والذين لم يحترم تجار الإنتخابات تضحياتهم من أجل الأمة العربية ،  بتعويض - في غفلة من المغاربة عامة ، وساكنة الدار البيضاء على وجه الخصوص -مسمى الجالان بلوحة أخرى تحمل اسم شخص -مع كامل احترامي لشخصه الذي أقدره- لا يعرفه سوى أصحابه ،
شخص عادي جدا ، لا يفوق مستواه حتى الأشخاص البسطاء ، شخص بلا بطولات وطنية أو نضالات نقابية ، أوانجازات سياسية ، أو اكتشافات علمية ، أو مساهمات فقهية أو أدبية، لم يكن ،  شخص لم يأتي بما لم يأتي به غيره ، شخص لم يكتشف أسرارا جديدة للكون ، ولم يصدر قوانين حكيمة ، ولم ينظم قصائد رائعة أو يؤلف موسيقى خالدة ، ربما ما يميزه عن الأشخاص العاديين ، هو إنه رحمة الله عليه ، إختلف في وفاته ، هل قضى نحبه مقتولا أم منتحرا بسكة القطار؟؟ الأمر الذي لا يرقيه لكي يطلق إسمعه على أكبر شارع بمدينة الدار البيضاء ،يربط بين أربع مقاطعات : الفداء وسيدي عثمان و ابن مسيك وسباتة ، عوضا عمن ضحوا بارواحهم فداء للعروبة..
وحتى لا يفقد إطلاق المسميات على الشوارع والساحات، احتفاءه الرمزي وقيمته التكريمية ، وتضيع ورسالته التربوية في غرس صورة "البطل/القدوة" وتعزيزها في نفوس النشء ، في بعديها الإبداعي والجماهيري ، يفترض أن تكون تلك المسميات وفقا لنوعية في الرؤية والدقة في الاختيار ومراعاة القيمة الرمزية ، والوعي بحجم المنجزات والخدمات الوطنية المقدمة من طرف أصحابها في مختلف المجلات ، المقاومة أو النضال أو الفقه أو الدين أو الفكر أو الثقافة أو الفن ، وغيرها من الخصال والأعمال التي يقدرها المجتمع ويجلّ المنطق والدين ، وتجعل من المتحلين بها -بغض النظر عما إذا كانوا ملوكا أو لقادة سياسيين أو عسكريين -أشخاصًا متفوقين إلى حد ما على الناس العاديين ، في الوطنية والأخلاق والقوة أو الشجاعة أو الذكاء أو المهارة أو القيادة أو في الريادة.
وحتى لا تبقى مسميات شوارعنا وساحاتنا تستهين بالمواطن المغربي العادي البسيط قبل المثقف والسياسي ، بخواء محتوى وتاريخ أصحابها النضالي ، وفراغ سجلات منجزاتها العلمية والثقافية والجمعوية ، التي لا يشجع مضمونها  الذي ليس بذي شأن ، للإحتذاء والإقتداء ، ولا يحث النشء حتى على حلم بالتألق إلى مصافهم.
يجب توقيف العابثين برموز الوطن عن والاستهانة بمقدساته واجبارهم على العدول عن تثبيت تلك اللوحة النكرة ، والإبقاء على مسمى "الجولان" مكانها على صدر أكبر شارع بمدينة الدار البيضاء ، وتقديم اعتذار لجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله– الذي تكبد السفر (23 أكتوبر 1992 )إلى مقبرة الشهداء بالقنيطرة السورية للترحم على ارواح جنودنا المغاربة البواسل الذين دافعوا بارواحهم على الاراضي السورية -والى القوات المسلحة الملكية والى ساكنة درب السلطان والى الشعب المغربي قاطبة ، ويبقى السؤوال المحير في هذه النازل -التي صح وقوعها- هو:كيف صادقت سلطة الوصاية على هذه النكتة السمجة المضحكة المبكية التي لا يمكن أن يشعر المرء معها بشيءٍ من الفرحةِ او السعادةِ او حتى الحزن ؟.