عبدالإله الوزاني
التهامي
اتضح جليا أن في
وطني شيء ما غير عادي:
أولا أشكر كل من
قرأ مقالتي المتعلقة بالهجرة المنشورة في جرائد إلكترونية عدة في حلقات قراءة
نقدية زادته نجاعة ومصداقية، ثانيا
-وعليه- أقف مشدوها أمام الحالة التي بين أنظارنا المتجلية في اتخاذ الفنيدق وجهة
رئيسية للعبور نحو سبتة بواسطة السباحة أو اقتحام السياجات الحدودية، حيث لم نعهد
هذا إلا في الجهة الأخرى من العالم (اليونان/تركيا) نموذجا.
وأمام الحالة
التي في طريقها لتصبح ظاهرة منتظمة التكرار يلزم جميع مكونات المجتمع والدولة -إذا
كانت على قيد الحياة- الاشتغال بجدية تحليلا ومعالجة واقتراحا ونزولا للميدان، ليس
فقط النزول إلى مدينة الفنيدق باعتبارها نقطة عبور رئيسية، بل النزول إلى كافة
المدن والقرى المغربية كنقط انطلاق لمخاطبة الشباب وإقناعهم بأن حلمهم لا يتحقق
بالنزوح الجماعي والهجرة نحو الخارج وإنما حلمهم موجود هنا في وطنهم وإذا ما
أرادوا السفر نحو دول العالم فسيسافرون برأس مرفوع لاستكمال الدراسة أو لقضاء عطلة
أو لمزاولة عمل من موقع حاجة تلك الدول إلى خبراتهم ومهنهم وكفاءاتهم وليس من موقع
الذليل الهارب من وطنه تحت ضغط دوافع وضيعة.
لكن، هل باستطاعة
هذه المكونات المتمثلة في الفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي وهل في
جعبتها أصلا ما تقدمه للشباب وتفي بوعودها فور الانتهاء من إلقاء الخطابات الشفهية
والمكتوبة.
لا أعتقد نهائيا
بناءا على المشاهد في الساحة السياسية التدبيرية أن الفاعل السياسي والفاعل الرسمي
له القدرة -السحرية- على إقناع الشباب وعامة المواطنين للعدول عن فكرة الهجرة، لأن
حجم الفساد والإفساد والتبذير والنهب والشطط وغيرها من بصمات التخلف والانحطاط
والتسيب والرجعية أكبر بكثير من بصمات الفعل الإيجابي المفترض فيه تغيير الواقع،
بكلمة واحدة فإن قطرة الإصلاح لا يمكنها التأثير في بحر الفساد.
من خلال كلامي
يبدو تفاؤلي كبيرا في إمكانية التغيير نحو الأفضل، إذا عبر المسؤولون بغير احتشام
ولا خوف ولا دهشة عن رغبتهم في القطع مع سوء التدبير وإذا عبر المربع الذي في يده
القرار عن عزمه على تقديم كل مفسد أمام العدالة لتطمين الشعب على ثروته ومصيره،
ولتوطيد أركان الدولة على أسس صحيحة لا تتزعزع بأي طارئ أو ظاهرة عابرة أو متجذرة.
بطبيعة الحال فإن
القضاء أو التخفيف من توسع حدة ظاهرة سلبية معينة ليس بالأمر الهين، لأن ذلك لم
يستفحل إلا بالتدرج مقابل انحدار العامل الاقتصادي والاجتماعي، بمعنى لابد من
مراحل ولابد من إشراك كل الفاعلين في عملية التصدي للظاهرة.
بقي أن أشير إلا
أنه من غير المعقول التعويل فقط على المقاربة الأمنية في مواجهة ظاهرة الحريك، لأن
من شأن ذلك خلق أعراض جانبية مجهولة الوصف، فإما مثلا أن يتولد عن ذلك حقد وكراهية
اتجاه مؤسسة الأمن وهذا غير مقبول نهائيا لأن نتائجه وخيمة وأسوأ من الهجرة ذاتها،
وإما أن تفرز بشكل ما تفاعلا غير مقبول
بين عموم الشباب (المرشحين للهجرة -وذويهم) اتجاه المؤسسات الأمنية والإدارة
العمومية، والأسوأ في الأمر إن تم التعويل فقط على المقاربة الأمنية دون بدائل
ملموسة، زعزعة ولاء الأفراد للوطن الأم
وانجذابهم لوطن بديل يعتقدونه أملهم المصيري أمام انسداد الأفق داخل وطنهم الأصلي،
بأي "ذنب" إذن سيواجه رجال الأمن
لوحدهم هذه الظاهرة الخطيرة؟!.
وبعبارة أدق فإن
الأمن ليس هو المسؤول عن تفاقم ظاهرة الهجرة ولا المسؤول عن تأزم الوضع الاقتصادي
والاجتماعي، من غير المنطقي إذن أن نتركه وحيدا في مواجهة ظاهرة تتشابك وتتداخل
الأطراف المتسببة في نشأتها وتفاقمها.