adsense

2021/09/10 - 10:12 م

بقلم الكاتبة الروائية حسناء وهابي

شمس الأصيل تطل على حافة صخرية بشاطئ مانسمان، كان الجو معتدلا والأمواج تتلاطم،والعباب يتطاير، تارة أجلس،وتارة أرمي بحصيات صغيرة في الأفق ثم ألتقمها وألقي بها إلى حيث لانهاية.

وبينما أنا على هذا الحال، حتى وجدتني مرتميا في أحضان فتاة تصغرني بخمسة أعوام، أهلا بك عزيزي عبد الكريم، اشتقت لك كثيرا،أجبتها في الحال مهلا مهلا أختاه مالذي تفعلينه، ومن هو عبد الكريم هذا؟ لعلك أخطأت القصد صغيرتي، هاته الفتاة كانت ترتدي سروالا أزرق من نوع الجينز،وحذاء رياضيا من نوع نايك،وقميصا أبيض يصف تضاريس جسدها ونهديها المنتصبين، لها جيد ناعم طويل، وشعر أشقر قد تدلى على جبينها بحكم اتجاه الريح، أدركت حينها أن الفتاة على موعد غرامي بلا ريب، والحبيب المنتظر بات شبيها لي، يالحظي!  أخرجت من الامتحان منهزم القوى، فاقد الأمل، أجد من تبعث لي الأمل!!

قلت في نفسي،وماينقصني إذا؟ فلا ضير باستعارة اسم عبد الكريم وإخفاء اسمي الحقيقي، تبادلنا أطراف الحديث، وكان حديثا ذا شجن، أخبرتني أنها انقطعت عن الدراسة،وتعمل في مقهى بحي الحسنية بالمحمدية، امتقع لون وجهي وانتفخت أوداجي حتى كاد قلبي أن يبلغ حنجرتي، وتذكرت أختي سميرة كيف هربت من سجن الجهل والأمية، والحروب التي خاضتها والمعامل التي عملت بها في سبيل استكمال دراستها، تذكرت المعاناة والقسوة التي مرت بها والنقاط الرفيعة التي كانت تحرزها، تذكرت كل شيء، بتت دامع العينين وسرحت في متاهات حياة أختي وعيني يملأهما الدمع، لكنني تظاهرت بالامبالاة وبأنني فقط أتأمل الغروب، وقد بدت الحمرة تلوح في الأفق وانعكست على وجه الفتاة فزادتها جمالا ونظارة، شعرت بدبيب الحب يسري في عروقي، لكن لست متأكدا، ربما الرأفة والشفقة تجاهها فقط، ثم استدرت إلى حيث كانت جالسة، وبقيت أمقت النظر فيها بإمعان، اسمعي أختاه، أنت فتاة لازلت صغيرة، وانت لست مضطرة للهروب من القسم، فهناك فتاة هربت إلى القسم وأنت تفرين منه؟ هذا غير معقول، بقيت الفتاة تنظر إلي ولم تنبس ببنت شفة، واصلت الحديث، ثم أردفت؛ عليك بترك ذلك المقهى، والتشبت بكتبك، الحياة صعبة ياآنسة، إن لم نحيَ بالقراءة وبمستوى ثقافي جيد ووظيفة محترمة، فإننا سنعيش في البؤس والشقاء، فمن الغباوة أن نستغل فتوتنا في اللهو، وعند كهولتنا نبيت ساخطين.

أومأت برأسها بالإيجاب وقالت: لقد أبليت بلاءً حسنا بكلامك هذا، فإنك لشاب شديد البأس،شجاع مقدام، لقد سبرت أغواري، وتمكنت من معالجة خلايا دماغي التي كانت على حافة الانهيار، أعدك..نعم أعدك، سأدرس جيدا لأن المجتمع لايرحم.

تأبطت ذراعي وناولتها قطعة نقدية اشترت بها أكلا سد رمق جوعها، ثم ودعتني بعهد وانصرفت.