adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/05/14 - 9:47 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

قضية بنكيران ، نموذجا.

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية، توصل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط بشكاية موجهة ضد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، تتهمه بالسب والقذف العلني في حق شريحة من المواطنين المغاربة، وذلك على خلفية تصريحات أطلقها خلال تجمع نقابي نظمته الذراع النقابي لحزبه، في فاتح ماي 2025.

الشكاية، الموقعة من طرف عضوين بحزب "نستطيع" (قيد التأسيس)، تعتبر أن بنكيران تجاوز حدود النقد السياسي المشروع، ولجأ إلى عبارات نابية ("الميكروبات"، "الحمير") في وصف مواطنين عبّروا عن رأي سياسي سلمي بشعار "تازة قبل غزة"، ما يشكل، في رأيهم، انتهاكًا لكرامة المواطنين ولحقهم في التعبير، كما هو مكفول بموجب الفصل 25 من الدستور المغربي.

اللجوء إلى القضاء لمواجهة ما يُعتبر خطابًا مهينًا أو مشينًا، يُعد في حد ذاته مؤشرًا على وجود هامش ديمقراطي يسمح للفرد – أيا كانت مكانته أو انتماؤه السياسي – بمساءلة مسؤولين حزبيين أو سياسيين أمام مؤسسات العدالة. بل يمكن القول إن هذه الشكاية تطرح سؤالًا مهمًا: هل يمكن فعلاً مساءلة "الزعيم السياسي" على ما يصدر عنه في لحظات الحماس الجماهيري؟ وهل الخطاب السياسي، حتى وإن اتسم بالحدة، يبرر إهانة فئات من المواطنين المختلفين في الرأي؟

إن قبول النيابة العامة لهذه الشكاية شكليًا، وفتح تحقيق بشأنها، سيكون امتحانًا حقيقيًا لاستقلالية القضاء، وقدرته على التعامل بميزان العدالة مع الفاعلين السياسيين، سواء أكانوا في المعارضة أو في السلطة، دون تغليب الاعتبار الحزبي على المبدأ الدستوري.

فهل بنكيران قابل للمساءلة القانونية في ظل القانون الجنائي المغربي بوضوح على تجريم السب والقذف العلني، خاصة إذا تم عبر وسائل الإعلام أو في تجمعات عامة، كما ورد في الفصول 442 إلى 444. وبما أن التصريحات موضوع الشكاية صدرت في مناسبة علنية، وتم توثيقها وبثها عبر وسائط إعلامية ومنصات تواصل، فإن الأركان القانونية للمتابعة، من حيث الشكل، تبدو قائمة.

ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق فقط بوقائع قانونية صرفة، بل يتقاطع أيضًا مع النقاش المستمر حول حدود حرية التعبير، ومتى تتحول هذه الحرية إلى أداة للتجريح أو التحقير. فهل يُمكن تبرير ما صدر عن بنكيران بصفته زعيمًا سياسيًا يُمارس خطابه في سياق تعبئة جماهيرية؟ أم أن استعمال أوصاف مهينة يتعارض تمامًا مع الممارسة الديمقراطية السليمة؟

فالواقعة، في عمقها، ليست مجرد خلاف لفظي أو زلة لسان من مسؤول سياسي، بل تندرج ضمن سؤال أوسع: هل الكبار في السياسة محصنون من المساءلة؟ وهل يستطيع المواطن المغربي، بصرف النظر عن خلفيته، أن يُقدم شكاية ضد شخصية بحجم بنكيران، وينتظر عدالة منصفة؟

إن فتح هذا الملف قد يشكل سابقة مهمة في مسار ترسيخ دولة القانون، أو – في المقابل – مناسبة جديدة لإبراز التفاوت في تطبيقه.