adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/05/26 - 2:13 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
في المغرب، لا زال الخطاب العقلاني الرصين من قبيل "أهيب بكم" و"نرجو من المواطنين الالتزام..." لا يجد صدى عند فئة ليست قليلة، لا تحرّكها إلا لغة السلطة، وأحيانًا لا تكفيها. فالمخ رخيص والـ"دوارة" غالية، والعقل الجمعي يبدو منشغلاً بلعبة استعراضية يتفوّق فيها وهم "الواجب الاجتماعي" على جوهر الشعائر نفسها.

حيث تشكل "التهليف" مقدّس، و"التهيطيك" أسلوب حياة، و"اللهفة" مرض معدٍ يتفوق في سرعة الانتشار على كورونا. ولذلك، فليس مستغربًا أن نجد من يذبح الخروف قبل العيد بثلاثة أيام، وكأنه يقول لله والناس والدولة والموسم الفلاحي: "أنا خارج التغطية، وعايش في عيد خاص بي!"

ومع ذلك، الغريب أن الفئة الأكثر نشاطًا في هذا "العصيان الطقوسي" هم الفقراء. نعم، نفس الفقراء الذين يشتكون من الغلاء، ويطالبون بالدعم، هم أول من يهاجم السوق بشراسة، ويؤسس لسلوكيات تزيد الأسعار اشتعالًا. كأننا شعب يعاني من "متلازمة التناقض المبارك": ننتقد "الشناقة" ونحن أول زبنائهم!

حسب تقديرات غير رسمية، فإن ما بين 15 و20% من المغاربة يُقدمون على ذبح الأضحية قبل اليوم الشرعي. ليس بدافع الضرورة، ولكن غالبًا بدافع الاستعراض، أو الخوف من "التفوّق الطبقي اللحمي" للجيران.

أو بسبب المرض المجتمعي الخطير المسمى : FOMO المتمثل في خوف المغربي من أن يقال عليه مزلوط ، وإن كان هو كذلك.

لا يهم إن كنت ستستدين، أو تفوّت فاتورة الدواء، أو تأكل عدسًا ثلاثين يومًا، المهم أن "تدير الواجب" ولو تحت التهديد العائلي والاجتماعي، وإلا فأنت كائن بلا حولي، وبالتالي "حازق" وبلا قيمة.

ثم تأتيك أصوات من داخل المجتمع تسأل ببراءة تمثيلية:

– آش دارو لينا الشناقة؟

والجواب: ما دارو والو، غير ركبوا على  جهلنا، واستغلوه.

الشناق، بكل بساطة، ليسوا غزاة من كوكب زحل، بل هم تجار محليون وُلدوا من رحم اللهفة المجتمعية، ويتغذّون على إشاعة: "شري دابا، راه غادي يطلع الثمن!"

ومن الجانب الديني، فالأمر أوضح من الشمس:

الأضحية لا تُجزئ شرعًا إلا بعد صلاة العيد، والنبي ﷺ قال: "من ذبح قبل الصلاة، فليذبح مكانها أخرى."

ومع ذلك، تجد من يذبح يوم الأربعاء، ويتباهى بذلك، وكأن التدين عندنا اختياري مثل القنوات الفضائية: تأخذ ما يناسبك، وتُغيّب الباقي.

بل إن بعض السلوكيات أصبحت أشبه بطقوس موازية:

– ذبح خفي.

– شواء ليلي.

– توزيع لحمي سري.

والكل متأكد أنه "دار الواجب"، رغم أنه ذبح كل شيء حتى واجبه الديني والوطني والأخلاقي.

والأدهى أن الخطاب الملكي – الواضح، الصارم، المحمّل برسائل ثقيلة – لم يصمد أمام شهوة المواطن المغربي في الشواء المبكر. فبمجرد انتهاء الخطاب، كان بعضهم بالفعل يغسل "الدوارة" في السر، كأن الرسالة لم تُبث أصلًا.

فهل نحن بحاجة إلى قانون؟ لا.

هل نحن بحاجة إلى شرطة خرفانية؟ أيضًا لا.

نحن بحاجة إلى "مصل مضاد للتهيطيك"، أو على الأقل إلى وعي جماعي يجعلنا نعيد النظر في علاقتنا بالأعياد، وبالمعنى، وبالكرامة الحقيقية التي لا تُقاس بثمن الكتف.

العيد الكبير الحقيقي؟

هو ذاك اليوم الذي نعيد فيه ترتيب أولوياتنا، ونذبح فيه العادات التي تذبحنا كل عام:

– الجهل الجماعي،

– وهم "ماشي نبان مزلوط"،

– وتقديس المظاهر على حساب جوهر الشعائر.

ولأننا لو واصلنا على هذا النهج، فحتى لو صار الحولي بـ300 درهم، سنبقى نذبحه يوم الأربعاء، ونشويه في "سطح سري"، ونشتكي من "الشناقة" ونحن من صنعناهم بأنفسنا، كما يصنع المخرج ممثليه، ثم ينتقد أداءهم في نهاية الفيلم!