adsense

2021/02/11 - 10:59 ص

 

بقلم الاستاذ حميد طولست

عبثا حاولت رحمة بنفسي وسلامة لعقلي ، الابتعاد عن الخوض فيما يقع بمدينة فاس والذي أحدث ضجة اجتماعية وسياسية نقلتها وسائل التواصل ، حتى لا أتهم ، كالعادة ، بمعاداة جهة معينة من مدبري الشأن المحلي ، لكني لم استطع غض الطرف عما نزل بها من تعسف يزيدها تعاسة ويأس وبؤس ، فوجدتني والحالة هته ، ضعيفا أمام سطوة عشقها المتحكم ، أغرق في السؤال المحير: لماذا تُستباح المدن بهذا الشكل المهين؟ وتُترك أحياؤها الفقيرة للإرتهال وساكنتها للبهدلة والهوان ، ويُدفع بفقرائها والعاطلين بها للتظاهر والاحتجاج على قدر مدينة يتآكل ما كان فيها من جمال ، فهل هي إستراتيجية ممنهجة لجعل  لاستباحة المدن المناضلة وأهلها ، أم أن في الأمر عقوبة لها على ما أبدته عبر العصور من مظاهر السبق والتميز على غيرها ، كما هو حال فاس مند غابر الأزمان وتواريخها ، أم هو مجرد انزعاج الذين لا يتحكمون في سلوكهم ، من مكانة ولياقة ولباقة أهلها ، وانفاديتهم حتى في إبداء الغضب بإشعال الشموع وإرسال "النفاخات" ضد من يفضلون العيش خارجها ويستنزفون خيراتها ، الذين لم يتركوا مطلباً لها لا يُحتج من أجله ، من بطالة أكثرا انتشارا من أي مناطق البلاد ، و لقمة عيش أقل منالاً مما في غيرها ،   والذين كيف يمنح الذين يصعب عليه التكلم لغتها، لأنفسهم حق قمع كل تنديداتها أو احتجاجاتها بدون حق ، وكأنه عيب أن تحتج المدن التي أصبح لاجئة في ربعها الذي لم يعد يستطيع المرء فيها تغذية الأولاد بأجر يومي ، بعد أن كان يجد في رزقه منها لذة لا يجدها من يأكل ممّا يُساق إليه وافرا عبر إبرام صفقات آخر تقليعات المشاريع العشوائية العديمة التأثير على أحوال أهلها ، وواقع المدينة التي لم تعد تقف مكانها بل تتراجع إلى الوراء ، الذي يلف أطرافها بالفشل والتهميش والغنائمية والتفقير ، ويعمم الجوع والبؤس والتعاسة واليأس في فضاءاتها التي طالها الإهمال وتراكمت في كل محيطاتها الازبال ، وانبعثت الروائح الكريهة من جنباتها ، بسبب منظومة سياسية مبهمة التي لم يعد يحتمل الشعب الفاسي التعايش مع فشل وفساد خياراتها وعجزها عن إدراك معاناة المنتفضين وتلمس مدى وعيهم ودرجة احتقانهم وانضغاط أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ، الذي يدفعون فواتيره ، عوضا عن الذين يتحملون لوحدهم مسؤولية تدهورها  كاملة..

فهل يضرب مسيرو الشأن المحلي موعداً مع التاريخ ، ولو من باب المحاولة على الأقل،ويعودوا إلى وعيهم ويقيموا ما أوصلت إليه المدينة نتيجة تصوراتهم الغيبية الخاطئة ، ويتلمّسوا تعقيدات أوضاعها المأزوم ، بفتح سجال مجتمعي ، يتناول أطروحات ومفاهيم فكرية وسياسية تجترح الحلول لها ،  بدلا من إغراق الساحة الراهنة في دوامة مستمرة من السباب والهجاء والتنابز بالألقاب المشهرة والفاضحة للأعرض ، والكلمات النابية المستنفرة للغرائز المذهبية ، والألفاظ الدخيلة واللامفهومة الموغلة في تمزيق نسيج المجتمع وتماسكه .

ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه ، وغفر سبحانه وتعالى لمن أخفق في التدبير واعترف واستغفر  وانصرف عما لا يعرف إلى ما يعرف ، ولم يكن كائنا سلطويا، مشغولا بالحكم ، لا يتوانى عن السعي لحيازته بكل الوسائل ، التقية أو السلاح، أو هما معاً .