adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/04/13 - 9:24 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
تابع :
ففي الوقت الذي تعيش كل أمم العالم حالة طبيعية من التغييرات السريعة الشامل، وتعرف تطورات كبيرة لم يسمع بها الناس ولم يروا مثلها في جوانب عدة ، اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتضع لنفسها استراتيجيات خاصة وعامة تتناول لاحقيق تطلعاتها  ورآها المستقبلية، بإيجاد بدائل للموارد المهددة بالنفاذ، ومحاولة الحفاظ على المتبقي منها مثل الماء والغذاء و الطاقة الخ، وقد ساروا بخططهم تلك إلى أبعد الحدود، وحققوا الرفاه الاجتماعي لشعوبهم.
نجد مجتمعاتنا العربية، في ركنها المسمى بالعالم الثالثي، ترزح تحت ثقل ما ابتليت به من هوايات عجيبة وغريبة، أغربها وأعجبها ما اصطلح على تسميته ب"الأسلمة". فلا يُفكر الفقهاء والمشايخ والدعاة الذين صار لدينا منهم، والحمد لله، جيشاً عرمرماً فاق عدد الأطباء والمدرسين، والمهندسين، والخبراء، إلا في أسلمة كل ما يحيط بهم ودمغه بالختم الإسلامي،  الأشياء والنظريات والأفكار والسلوكيات والعادات ، وفق ما يفهمونه من مواصفات ومقاييس إسلاميّة ، وكأن هذه الدمغ والأسلمة هي أنجع السبل والطرق لتصحيح مواطن الخلل في فهم و تطبيق الإسلام، وإصلاح أحوال المسلمين. بينما هي في حقيقتها تجاوز وغلو وتطرف وتشويه الدين.
فمصطلح الأسلمة، أو التأصيل والأسلفة الزائفة، من الأساليب المضللة و الخادعة التي اقتحمت الفكر العربي و هي أشد خطرًا من الفكر الغربي المستورد ، لأن "الأسلمة" تخاطب النزعة الفطرية لدى الناس في حب التدين و الميل للتعبد، وتكسب الأفكار المنحرفة قوة و حصانة. وقد تفرغ المشايخ والدعاة ورجال الدين، لأسلمة المجتمعات المسلمة، بدل نشر الإسلام في الشعوب غير المسلمة، وهذا أمر غريب حقا ولا يمكن تصديقه، ويدخل في نطاق اللامعقول وغير الممكن، والمستحيل، بل المتعذر حدوثه والذي لا يقوم به، سوى المهرجين، ولا يتقبله سوى المخبولين، والمعتوهين المصابين بلوثات عقلية مزمنة. ولا يحدث، إلا في عيادات العلاج النفسي والمصحات التأهيلية والعقلية. لكنه في الحقيقة ومن حيث الممارسة الفعلية أمر واقعي وموجود، ابتلي به الأمة الإسلامية، وتحول عندها في ظرف وجيز إلى ظاهرة خطيرة متطرفة،  فكيف يصح أو يمكن أسلمة المجتمعات المسلمة؟ ومن أمثلة تفشي الأسلمة في الآونة الأخيرة والتي تعلن عن هوية الفترة القادمة.. إلصاق مصطلح أو صفة "الإسلامي" بكل شيس  ..حتى أصبح لدينا  "السفريات و الرحلات الإسلامية، والمايوه الإسلامي، والفن الإسلامي، والكاتب الإسلامي، والداعية الإسلامي، والإعلامي الإسلامي، والمفكر الإسلامي، وعلم النفس الإسلامي، وأيضاًَ الاقتصاد الإسلامي، الذي أعلن هو الآخر عن نفسه من خلال البنوك والشركات الإسلامية التي انتشرت فروعها في كل مكان، و غير ذلك كثير جدا. ولكن الأدهى و الأمر، وغير المقبول هو لي بعض الدعاة لأعناق الآيات و الأحاديث لتتناسب مع أسلمة العلمانية والليبرالية وبعض الفلسفات الشرقية و الغربية و التي هي عقائد باطنية وتحمل أفكارا و معتقدات مخالفة للعقيدة الإسلامية. فقالوا بالعلمانية المؤمنة، والليبرالية الإسلامية، والديمقراطية الإسلامية، ولم يبق عليهم إلا أن يقولوا "الكفر الإسلامي".
لم يكتف المتأسلمون المتشددون الجدد بأسلمة المصطلحات الفكرية والفلسفية، بل قرروا إرجاع كل مظاهر حياة الإنسان الى أصول إسلامية ، فبعد أن نجحوا في صبغ حياتنا بصبغة إسلامية في جميع مجالاتها، وعلى رأسها الحجاب والبرقع والتشادور واللباس الأفغاني الذي تستطيع من خلاله أن تميز بين المسلم وغير المسلم. إنتقلوا إلى الأسماء والألقاب وحولوا أغلبها إلى أسماء إسلامية، ك(أبو كذا وإبن كذا) بالنسبة للأشخاص، و"الهدى والتقوى والفلاح والمعراج والصراط" بالنسبة للمؤسسات التعليمية والحرفية والمحلات التجارية والعمارات، فهذه محلبة باسم الله، وتلك مخبزة على بركة الله، وذاك هاتف التقوى، وذاك سمسار الصدق أو المانة، وتلك عمارة المعراج أو الخلاص، وهكذا دواليك. وبعد أسلمت الأشخاص والأماكن جاء دور سلوكات الناس اليومية العادية، فبدؤوا بالتحايا، فبعد أن كنا نسمع أحدهم يقابل الأخر هاشاً باشاً مصبحاً عليه "صباح الخير" او "كيف الدراري" أو مقبلاً عليك بالقول "يومك سعيد" أصبح من المفروض على الواحد منا أن يقابل الأخر عابسا متجهماًَ قائلاً له "السلام عليكم" صباحاًَ ومساءاً، ويا ويل من تأخر في الرد أو لم يرد السلام كاملاً حسب طريقة المتأسلمين" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته إن شاء الله". وبعد التحايا المباشرة غيروا التحية عبر التليفون كما سبق أن ذكرت ، في الجزء الأول ، والتي كانت الدافع لكتابة هذا الموضوع. فقبل ان ترفع سماعة التليفون لتقول "آلو" تسمع الطرف الأخر يقول لك "السلام عليكم" و يفرضها عليك فرضاً وكأنها الجزية يريد أن يستوفيها منك ويريدك أن تقدمها له صاغراً ذليلاً.