adsense

2022/02/21 - 2:39 م

أظهر تسريب بيانات لعملاء بنك كريدي سويس أن البنك استمر على مدار سنوات في قبول ملايين الدولارات في حسابات تعود إلى شخصيات تخضع لعقوبات دولية بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وكشف التسريب معلومات تفصيلية عن أكثر من 18 ألف "حساب نشط" تضم مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار لرؤساء دول ورجال أعمال وقيادات استخبارية وشخصيات بارزة.

وتضم التسريبات حسابات بينهم 5 رؤساء دول وحكومات، سابقين أو حاليين، من العالم العربي.

وتكشف التسريبات كيف خبأت شخصيات مرتبطة بأنظمة في مصر وليبيا وسوريا والأردن وأماكن أخرى، مئات الملايين في بنك "كريدي سويس" قبل وبعد انتفاضات الربيع العربي.

وتم تجميد الأصول المرتبطة بمسؤولين في اليمن وسوريا وليبيا في الأشهر والسنوات التالية للانتفاضة؛ لكن المحاسبة الكاملة للأموال المخبأة في الخارج ظلت بعيدة المنال، لا سيما في الولايات القضائية التي تسود فيها السرية.

وتشمل البيانات المسربة أسماء الرؤساء والعائلات المالكة والوزراء ورجال مخابرات، ورجال الأعمال الذين تربطهم علاقات وثيقة بالحكومات، وجاء أصحاب الحسابات، أكثر من نصف دزينة منهم، من سوريا واليمن وليبيا والجزائر والمغرب والأردن.

وأكدت البيانات أن علاء وجمال مبارك، كان لديهما 6 حسابات، على فترات زمنية مختلفة، بقيمة 196 مليون دولار في سويسرا.

وأشارت البيانات إلى وجود حسابات بنكية للعديد من رجال الأعمال في مصر، من بينهم حسين سالم، الذي وصفته التسريبات بأنه "رجل مقرب لفترة طويلة من نظام مبارك"، إضافة إلى اللواء عمر سليمان، الذي وصلت قيمة حساباته إلى أكثر من 26 مليون جنيه استرليني.

ومن بين الأسماء المذكورة أيضا في التسريبات، وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار، بحساب له بمليوني فرنك سويسري، ظل مفتوحا حتى 2013، أي بعد عامين من اعتقاله في سويسرا بعد شكوى ضده من مواطنين جزائريين بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب.

وتم إطلاق سراحه حينها بعد التحقيق معه، وعادت القضية إلى الواجهة قبل نحو أسبوعين، حيث  أعلنت منظمة حقوقية سويسرية، اليوم الثلاثاء، أنه ولأول مرة، ستتم محاكمة وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار أمام القضاء السويسري.

وقالت منظمة "تريال"، في بيان، إن النيابة العامة السويسرية تتهم الجنرال الجزائري المتقاعد خالد نزار بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذكرت أنه، قيد البحث، الانتهاكات التي ارتكبت بين 14 يناير 1992 و31 يناير 1994.

وكشفت المنظمة أن النيابة العامة استمعت، مجددا لنزار لمدة ثلاثة أيام في مقر مكتب المدعي العام الاتحادي في بيرن وقررت مقاضاته.

وهذه الحسابات، التي تقدم لمحة عن الثروة التي كانت تمتلكها النخب العربية في الخارج في العقد الذي سبق الانتفاضة، بلغت قيمتها مجتمعة ما لا يقل عن مليار دولار، محتفظ بها في بنك سويسري واحد فقط.

وبشكل عام، تشير البيانات إلى أن بنك "كريدي سويس" لعب دورا مهما لسنوات في مساعدة الشخصيات العربية الرئيسية على إخفاء ثرواتهم، حتى عندما تم اتهامهم وحكوماتهم بالمساومة على منطقة بأكملها من خلال الرشوة والاختلاس والمحسوبية، في احتجاجات الربيع العربي.

وهناك مؤشرات على أن العديد من النخب في الشرق الأوسط أرسلوا أموالا لحفظها في سويسرا وأماكن أخرى في أوروبا.

وأبلغت السلطات السويسرية عن زيادة في "المعاملات المشبوهة"، تلك التي يحتمل أن تكون مرتبطة بالرشوة أو غسل الأموال أو جرائم أخرى، من الدول العربية، بلغت أكثر من 600 مليون فرنك سويسري في عام 2011. وعزت هذه الزيادة إلى متطلبات الإبلاغ الأكثر صرامة والربيع العربي.

وفي سبتمبر 2011، قال بنك التسويات الدولية، وهو مؤسسة مالية مقرها سويسرا مملوكة للبنوك المركزية، إن البنوك الدولية أبلغت عن زيادة في المطلوبات للمقيمين المصريين بأكثر من 6 مليارات دولار، وللمقيمين الليبيين بأكثر من ملياري دولار، في الأشهر الثلاثة السابقة، وهو ما يعكس على الأرجح نقل الأموال المحلية من البلدين نتيجة لارتفاع مستويات عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وكشفت البيانات المسربة عن ثروات لأسماء شخصيات مصرية أخرى لم يتم الإبلاغ عنها سابقا، مثل محمد مجدي راسخ، ومحمود يحيى الجمال، اللذين يمتلكان ملايين الفرنكات السويسرية في "كريدي سويس".

وتم الاحتفاظ بالمزيد من الحسابات من قبل بعض الشركاء التجاريين لعائلة مبارك، بما في ذلك بعض المتورطين في محاكمات فساد قبل وبعد الربيع العربي.

وامتدت بعض هذه العلاقات لعقود إلى الوراء وتجاوزت العديد من فضائح الفساد، كما كان الحال مع حسين سالم، أحد المقربين من مبارك، والذي أصبح اسمه مرادفا للفساد والمحسوبية.

وكان قطب المال المصري حسين سالم، حليف مبارك منذ فترة طويلة وله صلات بأجهزة المخابرات في البلاد، كان زبونا لبنك "كريدي سويس" لأكثر من 3 عقود، كما كان لديه ما لا يقل عن 10 حسابات بأرصدة تصل في كثير من الأحيان إلى عشرات الملايين، على الرغم من ارتباطه علنا بفضائح الفساد لسنوات قبل وبعد الربيع العربي.

وتوفي حسين سالم عام 2019 وأرسل البنك، رسائل إلى محاميه عبر البريد الإلكتروني، لكن لم يتلق أي رد.

واستفادت شبكة النخبة المصرية المرتبطة بعائلة مبارك كثيرا، من خلال شراء أراضي الدولة وغيرها من الأصول بسعر رخيص، والاستفادة من القروض المدعومة من الدولة، وشقت الكثير من العائدات المالية لهؤلاء طريقها إلى حسابات بنكية أجنبية.

وأظهرت محاكمات الفساد بعد الربيع العربي، أنه بالإضافة إلى الروابط الأسرية والملكية المشتركة في بعض أكبر الشركات في البلاد، فإن العديد من هذه النخب كانت مرتبطة أيضا بمعاملات مشبوهة وراء الكواليس.

وكان من بين المستفيدين محمد مجدي راسخ، الذي تزوجت ابنته هدي من علاء مبارك خلال التسعينيات، وتراكمت لدى محمد راسخ العديد من الممتلكات، بما في ذلك في قطاع الغاز، كما استثمر في العقارات، حيث شغل منصب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لشركة التطوير العقاري المصري الفاخرة "سوديك".

وبعد الربيع العربي، وجدت محكمة مصرية أن راسخ تامر مع وزير الإسكان السابق تمكنا من الحصول على قطع أراض خارج القاهرة بأسعار أقل من سعر السوق.

وفي عام 2012، حكم على راسخ بالسجن لمدة خمس سنوات، على الرغم من أنه تمكن العام الماضي من إبرام صفقة "مصالحة" مع السلطات المصرية، حيث دفع هو والوزير أكثر من 1.3 مليار جنيه مصري، أكثر من 80 مليون دولار في ذلك الوقت، للحصول على إزالة الرسوم.

وتظهر البيانات المسربة من البنك السويسري أن راسخ كان أحد عملاء "كريدي سويس" لأكثر من نصف عقد قبل الربيع العربي، وكان الحساب الذي تم فتحه في عام 2005 يزيد عن 3 ملايين فرنك سويسري في العام التالي، وتم إغلاقه في عام 2015، بعد أكثر من أربع سنوات من ظهور اسمه لأول مرة على قوائم الشخصيات التي تم تجميد أصولها بعد الانتفاضة المصرية، وامتنع "كريدي سويس" عن التعليق على الحساب، لكنه قال إنه يلتزم بالسياسات والقوانين ذات الصلة ويتصدى لأي مشكلات تطرأ.

ويظهر تتبع الأصول، التي يحتفظ بها راسخ وأفراد آخرون من عائلة مبارك، مدى تشابك العلاقات الأسرية والتجارية والسياسية بينهم، وكم عدد الشخصيات الرئيسية في النظام المصري آنذاك التي تمتلك حسابات في "كريدي سويس".

وكانت شركة "سوديك" العقارية مملوكة جزئيا لبنك استثماري مقره القاهرة، EFG-Hermes، حيث امتلك جمال مبارك أسهما في شركة تابعة لها كانت تكسبه 880 ألف دولار من الأرباح في السنة.

واعتقل الرئيس التنفيذي لذلك البنك، ياسر الملواني، الذي كان يمتلك حسابين في بنك "كريدي سويس" في عام 2012، إلى جانب الأخوين مبارك.

ووجهت إليهما تهمة التلاعب بأسعار الأسهم للربح من بنك منفصل شاركا في ملكيته، لكن تمت تبرئتهما في عام 2020.

ومن خلال محاميه، قال الملواني إن المعلومات المتعلقة بالحسابات "غير صحيحة"، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل، نافيا ارتكاب أي مخالفات، وقال إن المصدر الرئيسي للأموال مستمد من عمله المهني وعائدات ملكيته في الشركات التي تولى فيها دورا إداريا.

ويمتلك كل من الملواني وعلاء مبارك أسهما في شركة تطوير عقاري فاخرة أخرى، "بالم هيلز"، يديرها الملياردير ياسين منصور، الذي يمتلك أيضا عدة حسابات في "كريدي سويس".

وتم تجميد أصول منصور لفترة وجيزة في عام 2011 بتهم فساد، ولكن تمت تبرئته في العام التالي، بعد دفع 250 مليون جنيه مصري للسلطات، كما ورد.

وأدين ابن عمه، وزير الإسكان الأسبق في عهد مبارك، أحمد المغربي، بتهمة الهندسة لصفقة أرض فاسدة استفادت منها شركة "بالم هيلز".

أحد حسابات "كريدي سويس" كان يعود إلى قطب عقارات مصري آخر هو هشام طلعت مصطفى، بالاشتراك مع أفراد آخرين.

وتظهر البيانات أن اسم مصطفى ظهر في حسابات متعددة في "كريدي سويس"، بما في ذلك حساب عائلي ظل مفتوحا بعد إدانته في عام 2009 بقتل عشيقته، مغنية البوب ​​اللبنانية في دبي.

وكان والد زوجة جمال مبارك، محمود يحيى الجمال، الذي أدين بتهمة التربح بعد الانتفاضة، يمتلك أيضا حسابا في "كريدي سويس" من عام 2006 إلى عام 2013 بقيمة تصل إلى ما يقرب من 20 مليون فرنك سويسري.

ويقول الخبراء إن البنوك السويسرية والدولية الأخرى كانت جزءا لا يتجزأ من تحريك الأموال التي أراد محتجو الربيع العربي استردادها.

وقال وليد نصار، المحامي الذي عمل في جهود استرداد الأصول في مصر، إن البنوك الأجنبية أقامت بانتظام علاقات شخصية مع العملاء الأثرياء في مصر، وغالبا ما تساعد في إرسال الأموال إلى خارج البلاد بطريقة كان من الممكن أن تثير الأعلام الحمراء.

ونفى البنك بشدة المزاعم الموجه ضده، وقالت المتحدثة باسم "كريدي سويس" إن إدارة البنك ترفض بشدة المزاعم والتلميحات بشأن الممارسات التجارية المزعومة، وقالت: "الأمور المعروضة تاريخية في الغالب… وتستند حسابات هذه الأمور إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية مأخوذة من سياقها، مما يؤدي إلى تفسيرات متحيزة لسلوك البنك التجاري".

ويأتي أحدث تسريب من هذا القبيل بعد سلسلة من التقارير الاستقصائية، تسمى أوراق بنما وأوراق الجنان الضريبية وأوراق باندورا، والتي ركزت على أسرار المؤسسات المالية التي تضم بعضا من أغنى الأشخاص في العالم، والتي تعمل إلى حد كبير خارج قوانين الضرائب.

القدس العربي