بقلم حميد طولست
أسدل ليلة أمس الستار على آخر ليلة من ليالي
الشتاء الطويلة الباردة ، تاركا المجال لفصل الربيع ليطبع مدينة فاس بأجواء ربيعية
هي منذورة لها ، كما كانت في زمنٍ آخر غير
هذا الزمن الرديء ، حيث كان اسم مدينة فاس حينما يرد على الخواطر، تنبعث في الأذهان
أجمل صور لمدينة رائعة ترتاحُ مطمئنة بين دراعي جبلي "تغات و زلاغ " العاشقان
المتيمان ، حارسها الوفيان ، وما يطوقان من قلائد البساتين الخصبة والجنان الغناء ،
التي تحوطها من جوانبها الأربعة .
فاس كما كانت في الذاكرة الشعبية ، في كتب
العلم وفكر العلماء ، ملهمة لمختلف معلمين الإبداعات والفنون، وباعثة للبهجة والحبور،
الذي عرفت به "جناناتها والعراصي" الحاضنة " للنزايه " والإحتفاء
بالربيع ، والتمتع بجمال الحياة بساتين الزيات، وجنانات باب الجديد، وحقول زواغة، وغابة
عين الشقف، وحامتي سيدي حرازم ومولاي يعقوب وفضاءات بوركاييز وشلالات صفرو.. وغيرها
من المؤهلات الطبيعية التي خصها الله بها ، التي أعطتها الطابع الربيعي الذي يقاوم
، والمد المديني المتحضر ، الذي لا يضاهى ، والبعد السياحي غير المستغل مع الأسف ،
وقد كان يمكن أن نستطرد في سرد مزايا وشمائل فاس وأهلها، لو أنها ظلت كما عرفت عليه
عبر التاريخ ، شامخة زاهية مزدهرة ، لكنها مع الأسف، لم تعد كذلك ولم يعد بالوسع قول
شيء آخر عنها ، غير عبارات الأسى والتأسف على حالها الذي أصبح مستباحا ، إنها والله لحسرة وألم كبيرين ، أن يأتي
الربيع ليجد فاس وقد غرقت في فيض من النواقص ، التي بهدلت منظرها، وقوضت جماليتها ،
وحطت شموخ ماضيها، إنها لا تستحق كل هذ العقوق، وقد من الله عليها يكل هذه المؤهلات
الضخمة والإمكانات الجبارة ..