adsense

2017/03/15 - 12:46 ص



بقلم الأستاذ حميد طولست

لقد تعلمت ، حين كنت صغيرا ، أن الوفاء والصدق والأمانة والفضيلة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان ، كل إنسان.. لكن لما كبرت صدمتني الحياة بحقائق مناقضة لكل ما رسخ في ذهني مند عهد بعيد ، حيث لم أجد حولي سوى من يعرض عن تلك الصفات التي قيل لي عنها أنها "حميدة وحضارية وراقية" ، ويتخذ من الحقد والكراهية والجشع والطمع دينا وديدنا بديلا عنها ، ولم أصادف غير الذي يبيع نفسه وأهله ووطنه رخيصا في سوق النخاسة ، من أجل أن تكون الدنيا دمية في يديه ،  والغريب في الأمر، أن فئات الحاقدين والكارهين والجشعين والطماعين ، يؤيدون ، في جوقة من المصفقين ، كل فئات الكذابين المخادعين والطماعين الأخرى ، والأغرب من ذلك ، أن جحافل الحاقدين الكارهين الجشعين والكذابين المخادعين الطماعين ، يريدون من القلة القليلة من الفضلاء الأوفياء الأمناء والصادقين ، تأييد جحافل الحاقدة الكارهة الجشعة ، والكاذبة المخادعة الطماعة ، الذين يملأون علينا الدنيا ويسدون آفاقها ، الأمر الذي أرفضه وكل من تربى مثلي على الأخلاق الفاضلة ، وتشبعت بقيمها منذ الصّغر ، قبل عشرات السنين ، حيث تعلمت من الحياة ألا أخضع لابتزاز الذئاب البشرية ، وألا أكون عبداً مطيعاً لإجماع السفهاء منهم ، ولا أطمع في زخرف مغرياتهم الفانية ، ليس لأني إستثناء ، أو لا لأني من الملائكة الأبرار، وإنما لأني لست من شياطين الإنس الأشرار ، الذين ، أختلف عنهم في الأخلاق والتربية ، التي زرع أهلي قيمها السامية في نفسي مند الصغر ، وأشبعت المدرسة بحسها الجميلة روحي ، فخضبت بنقائها سلوكاتي ، لا أريد هنا أن أعمّم ، ولكن الأمر مختلف فعلا عما عرفه ناس زمان من فضائل الأخلاق ، وقناعتهم التامّة بأهميّة ثقافتها الحضاريّة النبيلة ، التي يصعب أن تستسيغها وتقبلها ، ذوو النفوس والعقول التي لم تتربّى على منهجها ، وتنبري لمعاداة كل من يتشبع بنهجها الجميل ، ويسير في دربها القويم ، على اعتبار أنه خارج عن ولائهم ، وعاصي لطاعتهم ، ومتآمر على مصالهم ، ويبادرونه بالدغائن والمكائد واتهامه بالجنون رغم عقله الراجح الرزين والمخالف لعقولهم المحجوبة بأغشية سميكة ، فكرهم المحاصر بأغلفة أسمك منها، تدفع بهم لمعاندة طبيعة الإنسان العاقل  وفطرته ، وانتهاك قوانينه البشرية ، وتشويه شرائعه السماوية ، ومعاكسة العدالة والمساواة مباديء الحق ، كقيم اخلاقية ، بما يمارسونه من تفرقة وعنصرية وقتل وتنكيل واضطهاد ، يأخذ الناس الخيرين الطيبين المسالمين الوديعين الذين يحترمون حقوق الاخرين ، بجريرة الأشرار الطالحين ، الذين يساوون بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر، و بين الصالح والفاسد، و بين الجيد والرديء ، وبين النافع والضار ، في عالم لا مكان فيه للنوايا الطيبة والاخلاق الفاضلة وتخضع فيه الحقوق للمساومة وللميول والامزجة ، اذ لكل شيء ثمنه ولا يشتري إلا من يدفع ..
وحتى وإن لم تكن أيها العاقل الرزين ، مجنونا كما يريدونك أن تكون ، فتصنع الجنون كما فعل أبو العلاء لما رأى الجهل في الناس فاشيا ، في قوله:
 ولما رأيت ُ الجهل َ في الناس فاشياً..... تجاهلت حتى ظن أني جاهلُ
فواعجباً! كم يدعي الفضل َناقص ٌ....ووا أسفا! كم يظهر النقص فاضلُ
وكيف تنام الطير ُ في وكناتها ..........وقد نصبت للفرقدين الحبائلُ؟
ولا تتردد باللحاق بهذه المجموعة إذا ما مسك ضر المتعاقلين–إن صح التعبير- لتعيش مع العباقرة حياة الفطرة البعيدة عن إحباطات الحياة وتعقيداتها الخداعة ،  حيث لا حزبية ولا عنصرية ولا انتهازية ولا قمع ، ولا كبر أو عجب بالنفس ، ولا شعور بالاستعلاء ، ولا أنانية ، ولا طموح جامح إلى الامتياز على الآخرين، ولا رغبة مجنونة باحتلال المرتبة المتفوقة بلا حق ، عالم ليس فيه غير التمتع بالحرية المكفولة للجميع  خلافا لعالم من يعتبرون أنفسهم عقلاء ، الذي يغص بالمجانين من ذوي المصالح الشخصية والمظاهر المخادعة ..