بقلم الأستاذ حميد طولست
ذكرني احتفال العالم اليوم الاثنين 20 مارس
2017، باليوم الدولي للسعادة ، بما كانت تقوم به ، قبل عشرات السنين ، "المرحومة
أمّي وجارتها "مي يزة" وغيرهما كثير من نساء دربنا وباقي دروب حينا الشعبي
"فاس الجديد" - اللواتي كلما ذكرتهن ، تبسمت روحي ، من دون أن أرتب مكانتهن
في قلبي ، لأن أفعالهن تتولى ذلك عني - من سلوكيات لا تخرج عن شعار "العمل المناخي من أجل كوكب تعمه السعادة
" الذي اعتمدته الأمم المتحدة في سياستها العامة لتحقق التنمية المستدامة وتوفير
الرفاهية لجميع الشعوب ، اعترافا بأهمية السعي للسعادة ، وكيف كانتا والعديد من نساء
حينا الشعبي "فاس الجديد" ، لا يكتفين بكنس أمام بيوتهن ، ويتعدينه إلى الدرب
والشارع ، فجعلنه يفيض نظافة ونقاءً منذ ساعات الفجر الأولى.
وذلك لأن القضيّة كانت بالنسبة لجيل والدتي
وجارتها ، هي قضيّة أخلاقيات وتربية ، وقناعة تامّة بأهميّة نظافة وجمالية الأماكن
العامة والمرافق المجاورة والمحيطة بمنازلهن من طرق وحدائق ونباتات والتي كن يعتبرنها أمانة في أعناقهن يحاسبن
على التفريط فيها ، بخلاف الجيل الجديد من
نساء اليوم - إلا من أخد ربي بيده منهن -واللواتي تغير حالهن كثيرًا عما كانت عليه
نساء أيام زمان ، حيث أصبحت الفضاءات المحيطة
ببيوتهن تغصّ بالكثير من الأوساخ والقمامة والقاذوارات هنا وهناك، رغم حرص غالبيتهن
على نظافة بيوتهن وتجميلها ، فإن العديد منهن -رغم كونّهن عفيفات متخلقات متدينات ومكافحات
-يفتقدن إلى حِسّ النظافة الجميل ، وثقافتها النبيلة الحضاريّة ، ويصعب عليهن تمثل
فكرة أن كل ما يحيط بالبيوت من زقاق ودرب وشارع ، هو من البيت وفي عداده ، وأنّ الشارع
العام ، هو عام فعلا ، ولكنه لنا جميعا، والحديقة العامّة عامّة أيضا ، وهي ملك لنا
، لأن نفوسهن وعقولهن لم تتربّى على التربية والأخلاقيات حب النظافة داخل المنزل وخارجه
، التي زرعت في نفوس الأجيال السابقة لهن ، مند الصغر، فترعنعن على نهجها الجميل الذي
يعتبر الحفاظ على المرافق العامة واجبا دينيا واجتماعيا وأخلاقيا ، أكبر من الشعارات
، ووسيلة أنجع في تعليم النشء على كيفية الحافظ على الممتلكات العامة من شارع ومدرسة
ووسائل مواصلات إلخ..
كم كانت تبدو أمي رحمة الله عليها وجاراتها
"أمي يزة" وباقي نساء الحومة ، سعيدات وهن يربين أبناءهن على تحمل مسؤولية
الحفاظ على الأماكن العامة من شوارع وطرقات وإبقائها نظيفة و جميلة ، من خلال ما كن
يقدمن من قدوة عفوية صادقة في الحفاظ على محيطهن البيئي ، وما تحمله من رسائل وجدانية
، تترك بصمها وأثرها البالغ والأرقى من كل الشعارات التي ترفع في المناسبات ، وأبلغ من كل ما يلقى من الخطب
في المهرجانات البيئية ، وما تخرج به من توصيات قلما يتفاعل معها المتلقّي في الكف
عن العبث بمجاله البيئي ، والابتعاد عن التصرفات
غير المسؤولة التي أصبحت شيئا عاديا في حياتنا في ظل غياب الذوق العام والجهل بأهمية
منجزات جيل الأمهات في حياتنا الاجتماعية.
وفي الختام ، وبمناسبة اليوم الدولي للسعادة
، أتقدم بأحر التهاني إلى جيل المرحومة أمي وجارتها "أمي يزة" وكافة نساء
حينا الشعبي "فاس الجديد" ومن خلالهن باقي نساء الدنيا اللواتي يعملن جادات
على الحفاظ على محيطهن البيئي..