adsense

2015/04/11 - 9:35 ص


      ككل مجال، فإن مجال المخدرات كآفة اجتماعية و صحية تطورت تحت عدة عوامل؛ أهمها تفاعل الإنسان مع محيطه الطبيعي و خاصة النباتي منه، فيتم الاهتداء بالصدفة على نبتة قد يكون لها مفعولا ما على المزاج؛ أو عن طريق التفاعل أو المحاكاة بين الإنسان كفرد أو كجماعة. و لعل أهم عامل هو تسخير وظيفتها في تحطيم القوة المعنوية الكامنة في نفس الفرد و من تم الجماعة في الصراع و الحروب بين الدول، فالمخدرات لعبت دورا استراتيجيا في بعض الحروب، إذ كان يلتجأ إليها كوسيلة في تعطيل الإرادة القوية و بث روح الوهن و الارتخاء و الضعف الشئ الذي يسهل السيطرة على الأفراد و المجتمعات. و يحضرني هنا مثال انتشار الحشيش في الدول التي غزاها التتار بقيادة جنكيزخان في القرن الثاني عشر الميلادي و حرب الأفيون ضد الصين و ما تقوم به إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين وحزب الله اللبناني مع إسرائيل في نفس الاتجاه… فالمخدرات، إذن، تلعب دور العنصر الفيدرالي في عملية تخريب العقول و الأجساد لرصيد الأمة التي يتمثل في شبابها الذي هو عنوان و ركيزة أمنها و تقدمها و تطورها. 
    و المخدرات أنواع كثيرة، غير أنه يمكن تصنيفها حسب طبيعتها فمنها ما هو نباتي كالقنب الهندي " الكيف" و مشتقاته كالشيرا او "الحشيش" و غيرها؛ و شجرة الكوكا التي يستخرج منها الكوكايين ثم شجرة القات المتواجدة في إفريقيا الشرقية و شبه جزيرة العرب ... و منها ماهو اصطناعي أو طبي كالمسكنات، المنشطات، المهدئات، مضادات الكآبة، و المنومات ... و تصنف كذلك حسب نوعية استهلاكها فنجد ما يحقن و ما يبلع و ما يشم و ما يمضغ و أخيرا ما يسمع كآخر صيحة المخدرات الرقمية كما سنرى. و هناك من المخدرات التي تستعمل نظرا لسهولة الحصول عليها و ليس لها تبعات قانونية و غير مصنفة كمادة مخدرة،  كالسلسيون،  و مادة الكحول، و شم الجوارب...
   و المتعاطي لهذه المخدرات و غيرها، بلا شك، سيجد نفسه مع مرور الوقت مدمنا عليها، وهي المرحلة القصوى التي يتمكن فيها المخدر من ملازمة صاحبه و تنشأ بينهما ألفة ومحبة، و لن يستطيع فراقه ليصير طالبا ــ المدمن ــ له بأي ثمن و في غالب الأحيان ينزلق إلى الاتجار فيه أو ينحرف إلى الفعل الإجرامي لتفتح له أبواب الكسب غير المشروع تحت مسميات السرقة، النهب، النشل، الخطف، سفك الدماء، القتل ...
   و التعاطي لمخدر دون غيره يعكس بالدرجة الأولى وضعية الفرد وانتمائه الاجتماعي: فأساليب التخدير عند الفنانين و غيرهم من الطبقة الراقية ليس كما هو عند الطبقة المتوسطة و لا ذاته عند الطبقات الفقيرة، فلكل له أسلوبه حسب مستواه: فمثلا، " سطرا" من " غبرة مخدرة" قد يكلف مبلغا ماليا مهما بينما قنينة صغيرة من ماد الكحول الخالص"Alcool" أو أنبوبة من مادة " السلسيون" قد تكون في متناول أي كان يريد السفر إلى عالم خاص به من النشوة و "المتعة" الخيالية المفترضة .
   و المخدرات لم تبق في منأى عن التقدم و التطور التكنولوجي و الرقمي الذي لامس مختلف مناحي الحياة، بل تجاوزت أساليب التدخين و الشم و الحقن و المضغ لتتحول أخيرا إلى نظام رقمي إلكتروني و أضحت تسمى "المخدرات الإلكترونية" و خلفية تقنيتها كانت تستخدم لعلاج الحالات النفسية و خاصة المرضى المصابين بالاكتئاب و يرفضون العلاج بالأدوية. و تستند هذه التقنية إلى بث ذبذبات صوتية عن طريق سماعة لكن بترددات متباينة في كل من الأذن اليمنى و اليسرى ( أصوات معينة في الأذن اليمنى و نفس الأصوات بتردد أقل في الأذن اليسرى) و يحاول الدماغ أن يوحد بين الترددين في إطار مستوى واحد لهما الشئ الذي يترك الدماغ في حالة غير مستقرة على مستوى الإشارات الكهربائية التي يرسلها. و من هنا يأتي نوع المخدر الرقمي المرغوب فيه و الذي قد يحاكي أثر المخدر الفعلي على الفرد كالكوكايين أو المخدر الذي يحدث الهلوسة أو الاسترخاء أو التركيز و هكذا... 
   و مما لاشك فيه، أن شبابنا بات عرضة لهذه المنتوجات الرقمية المروجة عبر مواقع على الانترنت  بأسعار مناسبة ابتداء من 300 درهم إلى 3000 درهم؛ و غالبا ما تكون العينة الأولى التجريبية مجانية مما يدفع الكثير إلى تجربتها و بالتالي الوقوع في فخ الإدمان.
   و قد أثبتت بعض الدراسات و كل الإجراءات الطبية و مما لا يدعو مجالا للشك خطورتها و تأثيرها على المخ و على التفاعلات الكيميائية و الحالة العصبية و النفسية للمتعاطي يعادل بنسبة ما التأثير الذي تحدثه المخدرات التقليدية.  و من المؤسف أن خلو هذا النوع من المخدرات من أي مواد كيميائية يشجع على التعاطي إليها ظنا من الجميع أنها لا تؤثر سلبا على صحتهم.
   و عليه، ندعو من هذا المنبر توعية الأطفال و الشباب المراهق إلى عدم الاستماع إلى أي نوع من الملفات الصوتية الغريبة حتى يتبينوا أنها ليست مخدرات، كما يجب مراقبة تواجدهم على الانترنت،  و على المؤسسات الحكومية و المدنية كذلك أن تلعب دورها في المراقبة و التوعية؛ بيد أن أهم شئ يجب القيام به هو تشديد الرقابة على هذه المواقع و حجبها عن البلاد و العباد درءا للمخاطر التي قد تفتك بشبابنا الذي هو رأسمال البلاد وعدة و عتاد الأمة في حاضرها و مستقبلها.
المصطفى منعوت